سقط شبه التزكية في بلدة المتين (المتن الشمالي) التي طبعت انتخاباتها البلدية في الدورتين السابقتين، ..ما كل ما يتمناه رئيس البلدية زهير ابو نادر يدركه. حسمت العائلات امرها وقررت خوض المعركة، لتتشكل بذلك ثلاث لوائح ستتنافس في معركة ضارية غير محسومة النتائج، وسط اعتقاد كافة الاطراف بحتمية «الخرق». سيكون صعبا جدا على ابو نادر الدخول في معركة ضد حلفائه السابقين والذين كانوا الوسيلة الاهم لتبوئه «سدة» رئاسة بلدية «امارة اللمعيين» تاريخيا لثلاثة عشر عاما، فيما النار مشتعلة من تحته بين آل سلامة العائلة الاكبر في البلدة من جهة وعائلة ابو سليمان من جهة اخرى. وصل ابو نادر الى رئاسة بلدية المتين_مشيخا عام 2003 بعد وفاة رئيس البلدية آنذاك جوزيف عقل، الذي ربحت لائحته الممثلة للعائلات انتخابات العام 1998 ضد اللائحة المدعومة من النائب ميشال المر بثمانية مقاعد من خمسة عشر حيث استلم ابو نادر يومها لجنة الاشغال، وعلى اثر وفاة الرئيس قبل انتهاء ولايته بسنة انتخب ابو نادر خلفا له وحاز ثقة عائلة سلامة (عقل) واكثرية عائلات البلدة لدورتين بلديتين متتاليتين.
اليوم اختلف المشهد في بلدة العيش المشترك بين المسيحيين والدروز، ثلاثة الاف ومئة مقترع على لوائح الشطب بينهم تسع مئة درزي ممثلين بثلاثة اعضاء، عرفا، في اللوائح الا ان تمثيلهم في المجلس البلدي اقتصر على عضوين في الدورات الماضية جراء تفوق آخر المرشحين المسيحيين على المرشح الدرزي بعدد الاصوات، ويدلي ما يقارب الالف وتسع مئة شخص بأصواتهم من اجمال عدد الناخبين بسبب كثرة اعداد المهاجرين في البلدة.
دخل سليم نجل جوزيف عقل على خط المعركة مستنهضا همم عائلته وباقي العائلات الكبرى، بتشكيل لائحة بوجه لائحة رئيس البلدية الحالي ولائحة ثالثة برئاسة جوزيف ابو سليمان. يصر عقل على مبدأ تداول السلطة مستشهدا بتجربة ابيه «تنحينا عن رئاسة البلدية فور انتهاء ولاية الوالد ايماناً منا بقاعدة المداورة وديموقراطية التعاطي وعدم التجديد»، متوجهاً الى الرئيس الحالي بالقول: «حلو الشخص يعرف وين يوقف وممنوع نحرم اهل المتين من الديموقراطية وكان لدينا امل ان تعزف عن الترشح». هذا الكلام كان قد سمعه ابو نادر شخصيا من قائله معترفا بالسعي الى التوافق في الفترة الاولى من بدء تشكيل اللوائح «الا ان الامر رفض من قبل الطرف الاخر بحجة ان اترك المقعد لغيري، فقد قضيت ولايتي وما يزيد عنها».
يتسلح ابو نادر بانجازاته التي حققها للبلدة على مدى الاعوام الثلاثة عشر، ولعل ابرزها خوض معركة قضائية ضارية بهدف استرجاع خراج المتين الذي سلخ عنها والذي يقدر بنحو عشرة ملايين متر مربع، في العام 1978 لمصلحة بلدة بتغرين، بلدة النائب ميشال المر، الذي بنى عليها مشروعه السياحي في منطقة الزعرور، وقسم اراضي البلدة الممتدة الى حدود منطقة بدنايل وقاع الريم الى قسمين متباعدين، اضافة الى توجيه شركة «التلة البيضاء» المملوكة من المر شكوى جزائية ضد ابو نادر بتهم انتحال صفة والتحريض على الاقتتال بين ابناء البلدة. هذه الخلافات القضائية طبعت عهد ابو نادر الذي يتابع مع ثمانية محامين من المتين سيرها في المحاكم حتى بات منافسوه يأخذون عليه جنوحه الكامل اليها الى حد شخصنة الخلاف مع المر على حساب الشق التنموي للبلدة، فيما يجهد ابو نادر في تعداد انجازاته الانمائية، مستهلا ذلك بالتأكيد على ارسائه جوا من الالفة والهدوء وانهاء المشاكل المذهبية التي كانت سائدة منذ زمن بين اهل الضيعة الواحدة وازالة مظاهر النكبة والدمار التي رافقتها.
وكذلك يشير الى عمله الدؤوب من جهة تعميم المناقبية والنزاهة في اجهزة البلدية وبين اعضائها وموظفيها والسرعة في تسيير امور ومعاملات المواطنين. هذا عدا تأمين المياه الى البلدة اضافة الى تأمين محطة فلترة وتجديد شبكة توزيع مياه الشفة لتصبح المتين البلدة الوحيدة في المتن التي تحصل على المياه 24/24 ساعة. وكذلك تأمين قطعتي ارض هبة من احد الاشخاص لبناء مقر نادي المتين عليها وملاعب رياضية وتوابعها، اضافة الى تطوير بناء قديم للدفاع المدني وانجاز القصر البلدي في الساحة الذي تبرع فيه مالكه ايضا الى البلدية لتصل التقديمات الانمائية في عهده الى اكثر من خمسة ملايين دولار. اما على الصعيد التعليمي فافتتحت البلدية مكتبة عامة والعديد من الجمعيات الاهلية كما تضم المتين اربع مدارس منها مدرسة «السابيس» التي افتتحت قبل سنوات قليلة فرعا لها في المتن بعد معركة بين الوزير الياس ابو صعب والمتين حيث تقرر اقامتها في البلدة الاخيرة بدل بلدة ضهور شوير، على حد قول ابو نادر، اضافة الى مدرسة رسمية مهنية يتوافد اليها كل ابناء المنطقة.
تواجه هذه الانجازات بوقائع مناقضة تماما على ضفة لائحة سليم عقل الذي يؤكد ان المدرسة المهنية اقيمت في عهد والده الا انها افتتحت في عهد ابو نادر، مشيرا الى ان «هناك مشاريع انمائية عدة اقرت في عهد الرئيس جوزيف عقل واستكمل العمل بها بعد وفاته»، آخذا على الرئيس الحالي تعاطيه بأحادية في العمل البلدي مما يخلق المشاكل الداخلية. ودعا الى مشاركة اهالي البلدة في اخذ القرارات، اضافة الى تأكيده على الاستعانة ب»لجان صديقة» من المتخصصين في كل ما تحتاجه البلدة، ستتشكل في حال وصوله الى رئاسة البلدية لمعاونة اعضاء البلدية في اخذ القرارات المجدية. كما يؤكد العمل على تأمين مياه الشرب التي تفتقد اليها البلدة، وبالتالي تطوير البنى التحتية للبلدة التي تمددت بشكل كبير جراء عودة ابنائها اليها، من دون ان ترافق هذا التمدد سياسة تنمية مستدامة. اضافة الى انشاء صندوق شكاوى للمواطنين، وتقديم نظرة جديدة لكل النشاطات الرياضية في البلدة بدءا بتطوير الملاعب والاهم ترميم الاطار الهندسي والطابع التراثي لساحة البلدة بالتعاون مع المؤسسات الدولية.
لائحة المجتمع المدني
من مكتب رئيس البلدية الفخم داخل معمله الى قصر سليم عقل الضخم والفاخر في اخر البلدة الى سيارة مركونة وسط ساحة المتين الاثرية، تستقبلنا شانتال بو عقل مع شابين وهم في طريقهم الى احد مقاهي البلدة لتوزيع مناشير برنامجهم الانتخابي. الشباب المنتمون الى جمعيات مدنية شكلوا نواة لائحة من اربعة اشخاص رافضين كل الافكار المعلبة مسبقا عن طريقة تشكيل اللوائح وخوضها غمار المعارك الانتخابية. لا التعصب العائلي ولا الاقدمية ولا الثقل الحزبي تعني لهم شيئا، رفضوا الانضمام الى اللوائح التي طرحت التعاون معهم مصرين على اطارهم الشبابي المستقل. نغمة المجتمع المدني نفسها تحضر في المتين ايضا «لو ما نحنا ترشحنا ما حدا كان فكر يعمل برنامج انتخابي، ومن بعد ما عرفوا بوجودنا بلشوا يشتغلوا على برامج يخوضوا على اساسها الانتخابات».
يبدو ان هذا الانجاز سيكون الوحيد للائحة وسط انعدام حظوظ وصول اي من اعضائها الى المجلس. وبالرغم من ذلك فالشباب ينادون بالشروع الى ارساء نهج جديد للبلدية يستند الى التواصل المباشر والدوري بين الاعضاء والمواطنين، اضافة الى تشجيع المبادرة الفردية للشباب كما تشجيعهم على العودة وتحديث شبكة الصرف الصحي، ايضا هم يشكون على وجه الخصوص فشل البلدية في التعامل مع ازمة النفايات «فبدل ان تعمد الى خطة الفرز من المصدر والتكرير والتحويل لجأت بكل بساطة الى تجميع النفايات في حرج للبلدة وحرقها على مقربة من البيوت» واعادة طمرها.