IMLebanon

التضامن… للاحتواء

الموضوع السياسي الأبرز في لبنان هذه الأيام هو التصعيد العوني المتواصِل على خلفية التعيينات الأمنية وقضية عرسال والسقف الذي يمكن أن يبلغه هذا التصعيد في ظل السؤال المكرّر عن مصير الحكومة وموقف حلفاء العماد ميشال عون.

التصعيد العوني محكوم بسقفين: حد أدنى هو التجاهل، وحد أقصى هو التضامن. وإذا كان التجاهل مستبعداً لأنّ «حزب الله» ليس بوارد التضحية بتحالفه مع عون، فإنّ التضامن سيكون سيّد الموقف، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما المقصود بالتضامن؟ وهل تَبَنّي مطالب عون يعني تحقيقها؟ وهل الحزب في وارد الذهاب أبعد من الموقف السياسي؟

معظم المؤشرات تفيد أنّ تضامن «حزب الله» مع العماد عون في التعيينات العسكرية سيكون نسخة مكررة عن تضامنه معه في الانتخابات الرئاسية، حيث اقتصر «التضامن الرئاسي» بالامتناع عن المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس، ولم يعمد إلى الضغط أو التمني المباشر على النائب وليد جنبلاط، على سبيل المثال، انتخاب عون رئيساً، حيث ترك الحزب للجنرال إدارة معركته من دون أن يمارس نفوذه المعنوي على غرار الدور الذي أدّاه في تكليف الرئيس نجيب ميقاتي.

وما هو متوقّع في موضوع التعيينات لن يتعدى ذلك، حيث سيقتصر «التضامن العسكري» على الخطوات التي يقررها عون من قبيل الاعتكاف الحكومي أو غيره، ولكن الحزب لن يذهب أبعد من ذلك، لا في الضغط والتمني لتلبية مطالب عون، ولا بإدخال البلد في أزمة وطنية يكون المدخل لحلّها التجاوب مع المطالب العونية.

فالثابت أنّ «حزب الله» لن يتخلى عن عون ولن يتركه وحيداً، ولكنه في الوقت نفسه لن يطيح الستاتيكو القائم لأهداف عونية، وأيّ إطاحة مُحتملة بهذا الستاتيكو تكون في سياق الأهداف المرسومة من قبل الحزب ووفق أجندته المحلية-الإقليمية فقط لا غير، ولا يبدو انه في وارد العودة عن الترتيب المعمول به منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، لأنه الأكثر استفادة من هذا الترتيب سياسياً وأمنياً.

ولَو عادت لِما يفضّله الحزب بعيداً عن الحسابات المصلحية، لكان أميَل إلى عدم هزّ التضامن الحكومي في مرحلة أولويّته فيها القتال خارج لبنان، ولكن حساباته السياسية الداخلية تفرض عليه دوراً مزدوجاً: التضامن مع عون لاحتوائه، وعدم القطع مع «المستقبل» ليواصل دور رأس الحربة في مواجهة التطرف السني.

فلا تغيير ولا تبديل بهذه السياسة التي تشكل استراتيجية المرحلة وترجمة للإرادة الدولية والإقليمية والمحلية في ترسيخ الاستقرار الذي يشكل بالنسبة لمحور المقاومة عاملاً مصلحياً لا مبدئياً، وبما أنّ مصلحته تكمن باستمراره، فهذا يعني أنّ الوضع سيبقى تحت السيطرة.

ولكن التعيينات العسكرية هي على عكس الانتخابات الرئاسية التي يؤدي الخلاف حولها إلى التفريغ والفراغ، حيث أنّ الخلاف في الأولى يؤدي إلى التمديد العسكري في ظلّ إجماع في البلد بأنّ الفراغ في المؤسسات العسكرية هو خط أحمر، وبالتالي في الحسابات السياسية لم ولن يحصِّل العماد عون شيئاً، فيما «حزب الله» يسجّل مكسبين في آن معاً: صيانة تحالفه مع عون، وصيانة تفاهمه مع «المستقبل».

واللافت أنّ التيار العوني اعتمد على مقايضة واضحة من أجل إحراج «حزب الله» ودفعه إلى السير معه في ملف التعيينات العسكرية إلى النهاية، حيث تبنّى مطلب الحزب من قضية عرسال في موقف مُستجد حصل بعد تثبّته بأنّ «المستقبل» لن يفصل بين التعيينات والانتخابات الرئاسية، وذلك مقابل تبنّي الحزب مطلبه في التعيينات، أي عرسال مقابل تعيينات.

ولكنّ المستفيد من هذه المقايضة هو الحزب لا عون، لأنه يُظهر بأنّ مطلبه في عرسال وطني لا شيعي، وأنّ معركته هي لأهداف لبنانية وليس فقط إقليمية. فالتضامن العوني مع الحزب في قضية عرسال هو بمثابة الدفع نقداً، فيما تضامن الحزب مع عون في التعيينات هو بمثابة الشيك من دون رصيد.

وعلى رغم الخلاف الكبير بين «حزب الله» و»المستقبل» حول ملفات استراتيجية عدة، إلّا أنّ الحزب في غير وارد كسر الجرّة مع «المستقبل» الآن لا بانتخاب عون ولا في القضايا الأخرى، وكان بإمكانه ملاقاة مسيحيّي ١٤ آذار بالدعوة لاحتساب النصاب نصفاً زائداً واحداً من أجل انتخاب عون، ولكنه لم يفعل لأنه لا يريد كسر الستاتيكو القائم الذي يشكل مصلحة استراتيجية له.

وفي معزل عمّا يمكن أن ترسو عليه الأمور حكومياً، يقتضي التذكير بأنّ العنوان الأساس الذي حكم المرحلة الراهنة لبنانياً برعاية دولية-إقليمية هو الاستقرار، لا الرئاسة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، فإذا كان هذا العنوان قابلاً للترجمة من دون حكومة، فلا بأس لأنّ الأولوية هي للاستقرار لا الحكومة، ولا تعديل في هذا العنوان أقله في المدى المنظور، وإذا اقتضت الظروف السياسية تعليق جلسات الحكومة، فإنّ جلسات الحوار لن تعلّق، والمشترك الوحيد بين المتحوّل الحكومي والثابت الحواري هو الاستقرار.