وجهُ بيروت، وجهُ لبنان… وجهُ وسط بيروت، وجهُ بيروت… إنَّه القلب النابض، إنه الشريان الحيوي، لولا وجوده لوجُب إيجاده، فكما لا جسم من دون قلب، كذلك لا عاصمة من دون وسطها.
***
هذا ليس من كلام الشعر ولا هو من الوجدانيات، إنه الحقيقة الراسخة منذ أربعين عاماً، فحين أُعطي الضوء الأخضر للمؤامرة بالبدء بتدمير لبنان كانت البداية من وسط بيروت، ضُرِب الوسط فضُرِب لبنان.
***
الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يُدرِك هذه الحقيقة، ولأنه كان يمتلك بُعداً رؤيوياً للأمور، فإنَّ من أولى المناطق التي زارها كانت منطقة وسط بيروت، عاين بأسى وأسف ما حلَّ بقلب العاصمة النابض، لم يكن آنذاك سوى رجل أعمال يريد أن يساهم في إعادة إعمار بلده، مثله مثل كل المغتربين الذين يعتبرون أنَّ لبلدهم حقّاً عليهم، بدأت جرافاته وشاحناته تعمل منذ ذلك الحين سعياً لإبعاد شبح الموت عن قلب العاصمة. عادت الحروب بوجوه أخرى وأَشكال أُخرى لكن الرئيس المُصِرّ لا يهدأ ولا يستكين إنطلاقاً من الحقيقة القائلة:
لا قيامة للبنان من دون قلبه النابض البلد.
***
جاء العام 1992 حاملاً معه الأمل بإنتهاء جديّ للحرب ودخول لبنان في مرحلة السلام. طُرِح السؤال على اللبنانيين:
هل تريدون لمشهد الدمار أن يبقى هو صورة البلد؟
أم تريدون لعاصمتكم أن تبقى زهرة العواصم؟
لا أحد يريد الدمار، الجميع يريد الإعمار، لكن لا أحد يجرؤ ولا أحد يُقدِم، فكانت جرأة الرئيس رفيق الحريري وكان إقدامه، ومنذ لحظة إعلانه القرار الصعب حتى بدأت سهام الحقد والضغينة تنهال عليه، لكن حكمته وحنكته وصبره وطول أناته وحبه لبيروت، جعلوه لا يتوقف عند انتقاد من هنا وتجريح من هناك.
***
ما هي إلا سنوات حتى عادت بيروت لؤلؤة الشرق:
والفضل في ذلك يعود إلى النظرة الثاقبة والرؤيوية للدكتور ناصر الشماع واصراره على إنجاز المشروع الحلم للرئيس الشهيد رفيق الحريري. حيث عادت إليها المؤسسات والشركات العالمية وكان كلما ينجح دورها كلما تكبر الأَحقاد عليها.
إنتعشت بيروت، صارت بسمة البلد وفرحته، لها عينٌ ترعاها وتدير شؤونها وشجونها والمستثمرين والعاملين فيها.
إنها شركة سوليدير التي حققت نجاحات مُبهرة جاعلةً بيروت مفخرةً من مفاخر إعادة الإعمار.
***
كثيرةٌ هي الكتب والمجلدات التي تحكي عن تاريخ بيروت:
قبل وبعد. فلينظر الجيل الجديد الذي لم يتسنَّ له معرفة بيروت قبل دمارها، كيف كانت؟
وكيف دُمِّرَت؟
وكيف عادت؟
المطالب المعيشية حقٌّ لكل المواطنين من دون إستثناء، والعبث بمصالح الناس من كهرباء وضمان واستشفاء وتعليم ومسكن وسواها والتي كتبنا عنها مجلدات، قبل الحراك المخرِّب لمصالح المواطن الذي هو أيضاً يعاني، مثل المتحرِّكين في الشارع، حرماناً وإجحافاً في حقوقه ومصالحه مع دولته.
***
أما الحاقدون على وسط بيروت فنقول لهم:
بيروت لن تُدمَّر من جديد، إسرائيل عجزت عن تدميرها، فهل ما عجزت عنه الدولة العدوَّة سيستطيع حاقدو الداخل تحقيقه؟
بيروت ستبقى مفتوحة للجميع ومتنفساً للجميع:
هكذا كانت، هكذا عادت، وهكذا ستبقى.
لا وطن من دون بيروت، ومَن يحاول تشويهها، بضرب سمعتها، لن يُكتَب لمحاولته النجاح. كثيرون مرّوا في بيروت، كتبوا شعاراتهم على جدرانها أو ما تبقى منها، لكن الجدران أُعيد بناؤها والشعارات أُزيلت وبيروت بقيت وأبناؤها فيها ومحبوها فيها وروادها فيها.
***
بيروت أكبر منكم ومن الجميع فلا تحاولوا تحجيمها كأحجامكم.