عجيب أمرنا، نحن اللبنانيين. نقضي وقتنا نتقصى الاستحقاقات الدولية والإقليمية للتكهن بموعد حلّ مشاكلنا الداخلية الصرفة. انتظرنا من وزير خارجية فرنسا ان يحمل معه اسم الرئيس العتيد، فلم يفعل. بعده ننتظر حل مشكلة اليمن في اجتماعات الكويت الان. بحسب اعتقاد بعضنا ان حل قضايانا سيتبعها. إذا لم تنفرج في اليمن، فالاستحقاق التالي في انتظار تغير الظروف هو انتخابات الرئاسة الاميركية. لو لم تكن بريطانيا مشغولة بأزمة الخروج من الاتحاد الاوروبي والتغيير في قياداتها، لكان اللبنانيون في انتظار بوريس جونسون علّه يحمل لنا اسم الرئيس، كما فعل احد سفرائه عند انتخاب الرئيسين الاولين للجمهورية بعد الاستقلال.
نؤكد لانفسنا، وللناس جميعا، أن للبنان مظلة دولية تحميه. ثم نغتاظ ونتألم لأن لبنان ليس على سلم الاولويات الاميركية. إذا أدلى مسؤول إيراني بتصريح إيجابي في اتجاه السعودية، او العكس، نقول ان أمور المنطقة بدأت تتحلحل، والبداية من لبنان لان مشاكل المنطقة الاخرى اصعب بكثير من مشاكله.
كذلك بالنسبة الى مجيء الروس الى سوريا. يومذاك نعى البعض النفوذ الاميركي في المنطقة، وراهن على ان تصبح تحت نفوذ موسكو. خاف البعض الآخر من ان يصح تكهن أخصامهم، فيخسر مكانته في هذا الوطن الذي بات يعرف ببلد النفايات والفساد وزحمات السير.
ألم يحن الوقت لنتحقق من ان لبنان ليس على سلم الاولويات الاميركية، ولا الروسية، ولا السعودية، ولا الإيرانية، ولا احد خارج لبنان؟ كذلك، ليس للبنان مظلة دولية، او إقليمية، تحميه من مشاكل المنطقة وتشرذمها. هذه الدول وغيرها تتمنى للبنان الاستقرار والطمأنينة. لكن، اذا اراد اللبنانيون ان يتقاتلوا، فلن يسمعوا منها سوى الأسف من دون الالم. إذا أرادوا ان يتصالحوا، فسيلاقون الترحيب من دون التصفيق.
أتعبنا القيادات الاقليمية والدولية من سخافاتنا، وعدم نضجنا في السياسة والديبلوماسية.
المشاكل اللبنانية لا تهدد أمن المنطقة، ولا الاستقرار الدولي، ومن هنا اللامبالاة الاقليمية والدولية تجاه لبنان. دامت الحرب اللبنانية خمسة عشر عاما من دون ان نجد قوة إقليمية او دولية تتدخل لوقف الاقتتال. قوة الردع العربية، باستثناء المكون السوري منها، لم تكمل عاماً واحداً بالكاد. القوة متعددة الجنسية (اميركا وفرنسا وإيطاليا) التي أشرفت على الانسحاب الفلسطيني من لبنان، ثم عادت بعد احداث صبرا وشاتيلا، انسحبت بعد حوالي عام وخسارة مئات القتلى والجرحى.
انتهت حوادث 1958 بعد ان اتفقت واشنطن والقاهرة على رئيس جديد للجمهورية، وانتهت حرب الـ15 سنة باتفاق الطائف، كما انتهت أزمة 7 أيار 2008 باجتماع الدوحة.
اليوم ليس هناك قوى إقليمية او دولية على استعداد لارسال عسكرها او ديبلوماسييها، وحتى استضافة قياداتنا لمساعدتنا على حل مشاكلنا.
لا يحك جلدك مثل ظفرك.
مرة اخرى اصبحت خيارات كل قضايانا العالقة محصورة بـ:
÷ لرئاسة الجمهورية: إما العماد ميشال عون، او الفراغ.
÷ لرئاسة الحكومة: إما الرئيس سعد الحريري، او عدم استقرار سياسي وربما أمني.
÷ لتشكيل الحكومة والبيان الوزاري: اما تمثيل شامل وكامل وحقيقي لكل المكونات اللبنانية والاستمرار في موقف لبنان في شأن المقاومة، او حكومة تصريف اعمال.
÷ يبقى قانون الانتخاب، المشكلة الأساسية الكأداء بين اللبنانيين منذ بدء تنفيذ اتفاق الطائف: إما يكون للبنان قانون عصري وعادل ومنصف لكل المكونات اللبنانية من دون استثناء، او ان انعدام الاستقرار السياسي والامني سيستمر وربما ازداد سوءا. وسيستمر أيضا شعور عدد كبير من أبناء الوطن بالإحباط ومن ثم خسارة النية والجهد الضروريين لبناء وطن متجدد ومتقدم يكون مثالا مميزاً لدول المنطقة المتعطشة الى أنظمة عصرية تعددية، سياسياً واثنياً وطائفياً ومذهبياً، توفر لها الفرصة للالتحاق بركب التقدم الدولي.
في كل هذه المشاكل التي نواجهها، لا يستطيع المجتمع الدولي او الإقليمي ان يساعد لبنان واللبنانيين.
حان الوقت لان ننتقل من الاوهام الى الواقع، ومن الاتكال على الخارج الى التفاهم في الداخل، ومن سياسة «الربح لنا والخسارة للخصم» الى سياسة «كلنا رابحون».
لذلك كله، يجب ان ينجح اجتماع طاولة الحوار في الخلوة التي دعا اليها الرئيس نبيه بري في أوائل آب، في الاتفاق على حل مشاكلنا للسنوات العشر المقبلة.