طوال مراحل المواجهة التي خاضها ميشال عون بوجه من حاول تكريس واقع التمديد في السلك العسكري والامني كان، عند اللزوم، يفتح ملف الارتكابات في هذا الملف من ألفه الى يائه.
مضبطة اتهام عونية متكاملة كانت تتوّجها، بقناعة الرابية، مخالفة من العيار الثقيل: طلب قائد الجيش التمديد لنفسه، واختزال وزير مجلس الوزراء. وما لا يمكن لقائد الجيش ان يطلبه لنفسه لا يجوز أيضا لرئيس الاركان في الجيش وأعضاء المجلس العسكري، كونهم يعيّنون بقرار من مجلس الوزراء مجتمعا بأكثرية الثلثين من عدد أعضاء الحكومة.
بعد هذه المخالفة مباشرة يأتي، برأي عون، استسهال تكريس وضع شاذ داخل المؤسسة العسكرية بعنوان «ضابط ممدّد له»، فيما أوضاع الضباط قانونا تقتصر على الآتي: في الخدمة الفعلية، انقطاع عن الخدمة، الاعتلال، الاستقالة، التقاعد. فقط يجوز الاستدعاء من الاحتياط وبمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء.
بالتأكيد لم يجد ميشال عون من يعزف معه على وتر لا قانونية التمديد للضباط في مواقعهم إلا «حزب الله»، ليس من باب التسويق لـ «إبراء مستحيل» للارتكابات السياسية في المؤسسة الامنية والعسكرية، إنما في إطار الدعم والمؤزارة لمبدأ التعيين.
خلال الاشهر المنصرمة استُنفد كل المخزون العوني في المحاججة بلغة القانون، وبعدما ضاقت الخيارات واقترب موعد استحقاق الحسم في 7 آب، تكاثرت الاقتراحات المفترضة التي تحاول امتصاص نقمة «الجنرال». لكن خصومه يجزمون في هذا السياق «ان عون حُشر لدرجة أنه هو من يحاول اليوم ابتداع مخارج يفتّش عمّن يسير معه فيها».
أما المفارقة الكبرى فإن ميشال عون، بتأكيد أوساطه، وحتى الساعات الأخيرة الفاصلة عن جلسة اليوم، لم يكن على دراية «بما يخطّط له الفريق الآخر، إنما بكامل الجهوزية لمواجهة أي احتمال».
استفزّت عون سابقا بعض «العروض»، وأحيانا كثيرة استفزّه صمت القادرين على فتح ثغرة في جدار التأزم.
رفَضَ رئيس «التكتل» كل أنواع العروض التي يستشمّ منها تمديد بشكل «ملحق» لشامل روكز يظهر من خلاله عون وكأنه ينقلب على خياره وقناعاته بشأن كل الممارسات التي طبعت المرحلة الماضية، وينسف ما بنى عليه منظومة متكاملة من الرفض للأمر الواقع.
في الايام الماضية بدا عون كمن يفتح الباب أمام مخارج حلول لأزمة التعيينات، مع تيقّنه باحتفاظ الفريق الآخر بأوراق مستورة، وهذا ما دفع تحديدا الوزير سليم جريصاتي بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح»، أمس، للإشارة الى «إخفاء أوراق لقلب الطاولة».
وتشير أوساط «التكتل» في هذا السياق الى انفتاح عون على أي حل قانوني ودستوري، مكرّرة خشيتها من قيام وزير الدفاع سمير مقبل اليوم بـ «مسرحية» داخل مجلس الوزراء للتمهيد للتمديد لرئيس الأركان.
وفيما بدا لافتا في الآونة الأخيرة عودة الحديث مجددا عن اقتراح قانون يقرّ في مجلس النواب برفع سن التقاعد للضباط، فإن المطلعين يؤكدون ان عون كان المبادر الى طرح حل يشمل رفع سن التقاعد للضباط عبر قانون يقرّ في مجلس النواب، وهو في هذه الحال يتطلّب تغييرا بنيويا في هيكلية الجيش.
لكن مصادر موثوقة تؤكد في هذا السياق ان كل ما يتردّد اليوم من اقتراحات لا يتعدّى كونه «سولفات» و «تخبيصاً»، وكلاماً غير جدي، حيث ان الجهة الاساسية المعنية باقتراح كهذا، أي رئاسة مجلس النواب، لم يفاتحها أحد بالموضوع، ولا حتى الرئيس نبيه بري بصفته الحزبية.
أي كلام كان يُواجه فيه ميشال عون ويرتكز على التمديد الحصري لبعض الضباط، من بينهم قائد فوج المغاوير شامل روكز، كان يجابه برفض مطلق من روكز نفسه ومن جانب عون للأسباب نفسها التي كانت تدفع الأخير لرفض رؤية ضباط يتمركزون في مواقعهم، بالرغم من انتهاء خدمتهم العسكرية من دون أي مسوّغ قانوني أو وجود حالة طوارئ تفرض اللجوء الى هذا الخيار.
الرئيس نبيه بري كان يرى ان المسلك الطبيعي لقانون رفع سن التقاعد لكل الضباط ينطلق من مجلس الوزراء ليحطّ رحاله في ساحة النجمة. إذاً، بري بالمبدأ مع شمولية القانون وضد تجييره لمصلحة فئة محدّدة من الضباط.
«حزب الله» لم يمانع يوماً أي حلّ يمكن أن يحلّ عقدة التعيينات بمباركة مباشرة من «الجنرال». الرئيس تمام سلام كان يتحمّس للمشروع باعتباره وصفة «طبيعية» استباقية لفيروس قد يجتاح حكومته ويعطّلها على خلفية الخلاف حول التعيينات. أما «تيار المستقبل» فلم يكن متحمّساً لمشروع «ليس وقته».
لكن منذ إحالته الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في كانون الاول الماضي، لم يجد مشروع القانون طريقه لا الى جدول الاعمال ولا الى مجلس النواب.
وفيما أكد ميشال عون دوماً ان رفع سن التقاعد للضباط يجب ان تسبقه دراسة معمّقة لهيكلية الجيش وتأثيرات قرار كهذا على ما يصفه بـ «الهرم العسكري»، فإنه اعتبر دوماً أن سن تسريح الضباط محدّد في قانون الدفاع الوطني (المادة 56) ولا يجوز تعديله إلا بقانون يتّصف بنص قانوني، يأخذ بالاعتبار معياري الشمولية والعمومية من دون ان يتضمّن تعيينا أو تمديدا مقنعا.
لكن لكثير من الاعتبارات، يبدو إنعاش هذا الاقتراح في هذا التوقيت بالذات غير منطقي، إلا إذا كان المقصود إقراره في الفترة الفاصلة عن تأجيل التسريح الثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي. وبالتالي فقد بات على المروّجين لهذا الاقتراح انتظار التئام نصاب العقد الاستثنائي العالق في خرم الممانعة المسيحية، فيما العقد العادي يبدأ في 15 تشرين الاول تاريخ إحالة العميد روكز الى التقاعد. المعنيون يؤكدون في هذا السياق «في ظل أزمات مصيرية تواجه الداخل، لا أحد بوارد الالتفات الى اقتراح كهذا».
مع العلم ان إقرار هذا القانون في مجلس النواب سيمنح قهوجي عاما واحدا في السلك العسكري بعدما أجّل تسريحه لسنتين، حيث ان المشروع يتضمّن رفع سن التقاعد الى ثلاث سنوات.
مقبل: التوافق اليوم.. وإلّا!
كشف وزير الدفاع سمير مقبل أنّه سيطرح على مجلس الوزراء، في جلسته اليوم، تعيين رئيس الأركان استناداً إلى الآلية المتبعة في التعيينات، فإذا تم التوافق على أي من الأسماء الثلاثة التي سيقترحها، يتم التعيين، وإلا فانه سيعمد إلى «استخدام الصلاحية المنوطة به قانوناً والقاضية بإصدار قرار يقضي بتأجيل تسريح اللواء وليد سلمان».
وأكد مقبل لـ «المركزيّة» أنّه «يتعاطى مع الملف على اساس مقاربة كل استحقاق في موعده، اما اذا تمّ التوافق السياسي على سلّة كاملة، وهذا اقصى ما أصبو اليه، نسبة لما يمكن ان ينتج عنه من ايجابيات، في ضوء التجاذبات التي تتحكم بالملف، فما على القوى السياسية الا ابلاغي لاتخاذ المقتضى لكوني المعني المباشر اولا واخيرا بالملف».
وشدد على «ان لا مجال للتساهل او مراعاة الخواطر في التعيينات الامنية نسبة لحساسية الوضع وحراجة المرحلة التي توجب وجود مسؤولين امنيين وعسكريين أصيلين في المواقع القيادية لمواجهة التحديات الارهابية والمخاطر المحدقة بالبلاد».
وفي سياق متصل، أكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش لـ «المركزية» ان «موقفنا معلن وليس سرا، فنحن نقف الى جانب ما يطالب به التيار وندعم موقفه. وندعو الى تعيين رئيس الاركان والمجلس العسكري كله سلّة واحدة»، متسائلا «وما الاشكال في ذلك؟».
ورأى أنّ «القاعدة الاساسية تقول بانجاز التعيينات وبغالبية الثلثين، اما التمديد وبحسب قرار صادر عن وزير الدفاع، فلا اعرف اين منشأ هذه الفكرة القانوني. فالمطلوب دور لمجلس الوزراء فهو من يعين. أما اذا انتهت مهلة التعيين، فلا يحل مكان المجلس الا المجلس».
وأكد فنيش ان «رأينا في آلية العمل واضح. ويجب عدم مخالفة ما اتفقنا عليه وطبقناه سابقا. فيجب ان تكون هناك كلمة للجميع في القرارات وفي جدول الاعمال. واذا اعترض وزير او مكون واحد، فيمكن ان نغض النظر عن الموضوع، اما اذا اعترض أكثر من مكون، فلا».
ولفت الانتباه في سياق آخر الى ان الرئيس نبيه بري «يعبر عن انزعاجه من اسقاط الشرعية عن المجلس»، مشيرا الى ان «هناك خلافا واضحا في الرأي بين الرئيس بري والتيار ونحن نسعى دائما الى معالجة هذه الخلافات».