شهدت العاصمة بيروت يوم الأحد الفائت تظاهرات واحتجاجات، أَلهبت الشارع. ما لبثت أن تمدّدت إلى مدن أُخرى، ومناطق مختلفة، حتى بات لبنان على قاب قوسين أو أدنى، من انفجار اجتماعي مطلبي، يُنذر بالأسوأ.
ومَن يُراقب ما جرى، وما يُحضّر له، يُدرك أنّ الوضع الاقتصادي ليس على ما يُرام، إنّما يؤشر الى عواقب وخيمة.
وبالتالي، بات لا بدّ من إيجاد الوسائل والسبل الناجعة، لتدارك ما ينتظرنا في الأيام اللاحقة، إن لم نقُل في الساعات الطالعة.
علماً، انّ الشارع ليس هو الحلّ، ولا يمكن على الإطلاق الاحتكام إليه ، فالشارع ممكن أن يدفع بالبلاد نحو الخراب، وهو ما لا نشجّع عليه مطلقاً.
صحيح أن لبنان عانى ولما يزل يُعاني ومنذ عقود من الزمن، من أزمة اقتصادية خانقة. عجز المعنيون حتى تاريخه عن معالجتها، حتى بات الهيكل على وشك أن ينهار على الكافة.
وأمام هذا الواقع المرير، بات لا بدّ من عملية قيصرية، تُنقذ الوطن من براثن الانهيار الكامل.
حاولت الحكومة الحاضرة ما بوسعها، من أجل الإنقاذ دون أن تنجح، فزاد بنيان الدولة تشقّقاً وتصدّعاً.
أمّا اليوم، فبات لا بُدّ من اللجوء إلى حكومة من الاختصاصيين، توكَل إليهم مهمة الإنقاذ والتصدّي.
وهو ما يُعرف بحكومة الاختصاصيين أو حكومة «التكنوقراط».
وعبارة «التكنوقراطية» (بالإنجليزية Technoracy) كلمة أصلها «يونانيّ» («تكنو» أي «فنّي وتقنيّ») (و«قراطية» تعني «سلطة وحكم») أي ما معناه: «حكومة التقنيين». وتُسمّى أيضاً: «حكومة الكفاءات». وهي الحكومة التي تتشكّل من الطبقة العلميّة والفنّية والمثقّفة والمتخصّصة في علوم الاقتصاد والصناعة والتجارة والأعمال والقانون… كذا… .
«والتكنوقراطية» حركة بدأت عام/1932/ في الولايات المتّحدة الأميركية، وكان «التكنوقراطيّون» عبارة عن مجموعة من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين والقانونيين العاملين بالعلوم. تسلّموا الحكم، ونجحوا في مهمّتهم.
ومن ثمّ، اعتمدت «الصين الشعبية» هذا النوع من الحكومات. فبعد أن تبوّأ «ماو تسي تونع» سدّة الحكم، نتيجة الثورة الصينية عام/1949/ تسلّم دفّة السلطة بمعيّة 26 من رجال الاختصاص والعلوم.
وبعد وصول «دينج شياو بينج» إلى سدّة الحكم، عمل هذا الأخير، وتحديداً في أواخر سبعينيّات القرن المنصرم. إلى إرسال بعثات علمية إلى البلاد الغربية، لتعلّم «الهندسة والاقتصاد وطُرُق الإدارة الحديثة» كلّ ذلك بهدف تطوير «الصين» وتقدّمها. حيث صار الاعتماد على هؤلاء بعدها لحلّ مشاكل البلاد على أنواعها.
وبالتّالي، شكّل «التكنوقراطيّون» خير نخبة، صار الاعتماد عليها في حلّ المشاكل الاقتصادية والحكومية.
علماً، أن المجموعة الحاكمة الراهنة في «الصين» هم حالياً، من أكثر النوابغ في العلوم الهندسية والاقتصادية والإدارة والقانون.
مع الإشارة، إلى أنّ «الصين» لمّا تزلْ وحتى تاريخه، تُرسل البعثات إلى أفضل الكلّيات في «بريطانيا» و«الولايات المتّحدة الأميركية» لاكتساب المعرفة، وإدخالها إلى رحاب الوطن.
كلّ ذلك حتى نقول، أنّ لبنان يُصدّر الأدمغة، ويمتلك قدرات فكرية متخصصة هائلة في الاقتصاد والتجارة والصناعة والإدارة والقانون و… كذا… .
بالتالي، أَلَيسَ من الأنسب، وفي وضعنا المأزوم الراهن، أن نستعين بتلك الأدمغة والخبرات والقدرات، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان؟؟؟
«فالصين» أرسلت بعثات لاكتساب المعرفة، فيما نحن نمتلك هذه القدرات، وبشهادة الكافة، ألّا يستوجب ظرفنا العصيب، التسليم بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين، من أجل إنقاذ الوطن؟؟؟
ماذا سنقول لأبنائنا غدًا، بعد خسارة الوطن، وانهيار الهيكل، أنقول لهم أنّ إحجامنا عن إيلاء أصحاب الاختصاص دفّة الإنقاذ، أطاح بكلّ شيء، بما في ذلك الوطن؟؟؟
لم يعُد أمامنا يا سادة، إلّا القليل القليل من الوقت قبل السقوط المدوّي، فإن لم نذهب إلى حكومة من الاختصاصيين قبل فوات الأوان، سيلعننا التاريخ، وإلى أبد الآبدين.
وفي الختام، أتوجّه إلى السياسيين، وأصحاب القرار، والحلّ والربط، لا تقولوا أنّ الوضع بألف خير، فالمواطن يئنّ من الألم، وبات على شفير الانهيار، ولا تكرّروا مقولة الملك «لويس الرابع عشر» حين سخِر قائلاً (ومن بعدي الطوفان)، لأنّه لن يبقى أحد بعد الطوفان، كون «الطوفان» وبحال حصل، سيجرفنا جميعاً دون أيّ استثناء.
مع التأكيد والإصرار على انّ الاحتكام الى الشارع لم يكن يوماً هو السبيل، انّما اتخاذ القرارات الحكيمة، يبقى هو الحلّ الأوحد والصائب في آن.
وفي الخلاصة، لا بديل راهناً من الذهاب نحو تشكيل حكومة من الاختصاصيين، حكومة كفاءات، قبل فوات الأوان، مكتفياً بتكرار ما قاله الباحث والكاتب الكويتي والداعية الإسلامي «طارق محمد الصالح السويدان»
«اللهم أشهد، أنّي قد بلّغت».