على وقع التصريحات التفاؤلية التي أطلقها كل من السيد حسن نصرالله، وتلاها تصريح إيجابي مماثل للرئيس سعد الحريري، والتي تهدف على ما يبدو إلى فتح أبواب الأمل أمام المواطنين في هذا البلد المنكوب والمغلوب، وافانا عيد الاستقلال هذا العام، فكان عيدا بالاسم، مجردا من كل مظاهر العيد الاحتفالية، حتى العرض العسكري المنمنم الذي اعتاد المواطنون على حجمه المختزل، ووهجه الهزيل في السنوات الأخيرة، تم الغاؤه من خريطة الحدث الاحتفالي، تماشيا في ذلك مع إلغاء رئاسة الجمهورية بالكامل، ورئاسة الوزارة بالتقسيط، ومجلس النواب بفتح أبوابه عندما تدعو الحاجة الملحّة، كما كان الشأن مع الجلسة التشريعية الأخيرة التي استوجب السماح بانعقادها جهودا متعددة الجهات والاتجاهات، تجنبا لخراب ماليّ داهِم تمّت لملمته، يا للعجب، بشيء من التعقل والحكمة، ألا ليت بقاءها يستمر في عقول وتصرفات زعمائنا وقادتنا بعضا إضافيا من الوقت، نعالج فيه ما تبقى من مآسي هذا الوطن، المربوطة بشد العنق إلى درجة الاختناق، بقضايا الآخرين وطموحاتهم الصغيرة والكبيرة.
تصريحات تفاؤلية… صفّق لها كثيرون، ظنّا منهم أن الحل الإنقاذي آتٍ لا محالة، وأن لبنان سيعود إلى قواعده المتينة السابقة، وإلى صفاء أجوائه وتوجهاته، ولموقعه المتميز الذي كان له ولأبنائه بعيدا عن كل المشاكل والمعضلات التي يعيش اليوم في أقاصي أعماقها. والتصفيق جاء في بعض محلّه دون شك، خاصة وأنه جاء متماشيا مع بعض الأحداث التي دلّت على أن اللبنانيين لم يفقدوا كل قدرات عقولهم، بل ما زال لديهم بعض منها، وقد تمثل ذلك خاصة في ردة الفعل الوطنية المتماسكة والصّادقة في مواجهة المجزرة الداعشية الرهيبة التي طاولت الضاحية الجنوبية وخلّفت وراءها عشرات القتلى ومئات الجرحى، كما تمثّل في نجاح القوى الأمنية اللبنانية في معالجة الوضع الأمني بصورة ممتازة تمثّلت خاصة في اكتشاف معظم، إن لم يكن، جميع العناصر الإجرامية التي قامت بالمجزرة، وفي درء كثير من المخاطر التي كان يمكن أن تطاول البلد في شرائحه الأساسية، خاصة بعد أن دُسَّتْ في عناصر العدوان، ملحقات سورية وفلسطينية استُهدِفَ من خلالها توسيع الشرخ وتكبير مخاطره إلى درجة الفلتان الكامل.
إيجابيات منتظرة، صحيح، وقد أتينا على ذكر بعض بشائرها، ونأتي هنا إلى بعض من الملحقات التي تضج بها الأوساط البيروتية خاصة، لجهة عودة قريبة إلى لبنان لدولة الرئيس سعد الحريري الذي سيحضر شخصيا على الأرجح طاولة الحوار الواسعة والغنية بعناصرها الإيجابية المستجدة، وستكون طاولة لمؤتمر شامل، صريح، حافل برغبة حقيقية ومندفعة باتجاه مزيد من لملمة الأوضاع ووضع البلاد على سكّة العودة إلى ما أمكن من الحياة الطبيعية، ومما لا شك فيه أن ما هو مقبل هو استجماع لإرادتين داخلية ودولية، مع التنويه إلى أن حجم الإرادة الداخلية هذه المرة سيتخذ حجما أكبر، ولو قليلا، من الحجم الذي استنقع نفسه فيه في السنوات السوداء الماضية. يمكننا بالتالي أن نتفاءل منذ الآن بأيام أفضل مقبلة على شروخات الوضع اللبناني الكبيرة والتي انطلقت من سوريا خاصة، ومنع المصائب التي ابتليت بها المنطقة منذ سنوات عديدة، خاصة بعد أن داخلتها عناصر جديدة أهمّها، دخول روسيا بقدّها وقديدها على الخط، وعلى الأراضي السورية، وعلى أجوائها التي تنطلق منها حرب ضروس تطال الشعب السوري بالدرجة الأولى «إيمانا» من روسيا بأن الشعب السوري لا وجود له! وأن نظام الأسد هو سوريا كلها، وأن سقوط بشار الأسد يعني سقوط النظام السوري بكامل عناصره العسكرية والمذهبية وما تبقى من عناصر حزب البعث، الأمر الذي سيسهم في إطالة أمد الحرب السورية ونتائجها المدمرة على سوريا والمستمرة في التأثير على لبنان وقد وصلت درجة المخاطر إلى حدود إسقاط طائرة سوخوي روسية من قبل الطيران التركي، متسلحا، على الأرجح، بالدعم المتخفي لكل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج في غاية الخطورة. من هنا يتوجب علينا أن نحصر آمالنا المتفائلة بوضع لبناني أفضل تحققه لنا الحوارات القائمة والقادمة، خاصة من الناحية الأمنية، بحيث يتمكن هذا البلد المنكوب من تجسيد بعض تطلعاته إلى أن يكون له رئيس جمهورية، ومن ثم حكومة طائلة وقادرة، ومن ثم تمكينه من وضع قانون انتخابي تجري على أساسه، الانتخابات النيابية المقبلة وتنشأ منه حكومة ذات أسس متينة، الأمر الذي يدعونا إلى مزيد من الحيدة والتلطّي والاستفادة من رغبات العديد من الدول الفاعلة في تجنيب لبنان ما تتعرض له المنطقة حاليا من استهدافات معادية، وما هو منتظر من تعرضها إلى مزيد من المخاطر نتيجة للصراع الدائر على أرضها والتي ستؤدي على ما يبدو، وفي بعض وجوهها المؤسفة، إلى تقطيع بعض أواصر وأراضي بلدان هذه المنطقة وإلى إجراء تغييرات في جغرافيتها وفي تركيبتها السكانية، وإلى تناتش دولي وإقليمي لمواقع النفوذ والمصالح المتعلقة بها وبمواقفها الاستراتيجية وثرواتها الضخمة.
وعليه… الآمال اللبنانية الواقعية يبدو أنه محكوم عليها أن تتوقف هنا، بأهداف محدودة ومحصورة بلملمة ما أمكن من أوضاعنا ومصالحنا القومية والأمنية والاقتصادية، أما ما تعدى ذلك من آمال يحلم بها اللبنانيون لاستعادة البلد الذي كان لهم على أسس نهائية ومستقره ودائمة، فهو مرتبط إلى ما شاء الله، وعلى مدى سنوات عديدة لاحقة، بنتائج الصراع الدولي – الإقليمي الدائر بحدة على هذه الأراضي المنكوبة وعلى حساب أبنائها ومصالحها الأمنية والاقتصادية، وبالتالي سيكون ذلك حائلا أمامنا دون معالجة المعضلات الحقيقية والأساسية التي تحول دون إعادة تكوّن الدولة اللبنانية بمؤسساتها السيادية جميعا وفي طليعتها، وحدة السلاح الشرعي على أرضها من دون أي منافس ومنازع، ووضع حد لحرب أبنائها على الأرض السورية وضد الشعب السوري تنفيذا لمخططات بعيدة تماما عن موافقة اللبنانيين بغالبيتهم الكاسحة. الأمل اللبناني في هذه المرحلة منصب على استعادة الدولة.