IMLebanon

الحلّ: إعتماد النسبية ورئيس ينتخبه الشعب

يرى سياسي مخضرم انّ الازمة اللبنانية المتوارثة والمتمادية بلغت مرحلة لم تعد تنفع معها الحبوب المهدئة، وباتت تتطلّب معالجات في العمق باجتثاث جذور أسبابها ومسبّباتها التي أهملتها الطبقة السياسية أو تغاضَت عنها دوماً لتأبيد وجودها في السلطة منذ الاستقلال وحتى اليوم.

يقول هذا السياسي المخضرم انّ الازمة السياسية اللبنانية كانت ولا تزال تجَرجر بأذيالها من محطة الى أخرى منذ إقرار صيغة 1943، حيث انّ هذه الصيغة التي أريدَ لها ان تكون مقدمة لإقامة نظام تسوده العدالة والمساواة لم تنفّذ بأمانة وتحوّلت صيغة تعايش مع الأزمة ولم تقارب معالجة أسبابها الفعلية الى أن تفجّرت في ثورة 1958 أزمة أمنية عاشت معها البلاد فتنة سقط فيها عشرات الألوف من اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية، الى أن انتهت بمصالحة «تبويس لِحَى» على الطريقة اللبنانية، كانت بمثابة حبّة مهدئة للمرض ولم تعالج أسبابه الفعلية التي تتصِل ببنية النظام المريضة ووَلّادة المشكلات السياسية والامنية باضطراد.

على انّ مصالحة «تبويس اللحى» هذه خدمت البلاد هدوءاً أمنياً على وَقع استمرار التوتر السياسي حتى العام 1975 حيث تفجّرت، بداية، حرباً بين فريق من اللبنانيين وبين الفلسطينيين الذين تعاطفت معهم «الاحزاب الوطنية» وشرائح من اللبنانيين، أسّست لها صدامات حصلت بين الجيش اللبناني وبعض الفصائل الفلسطينية أعقبت اتفاق القاهرة عام 1969 الذي أجاز للفلسطينيين العمل الفدائي في لبنان ضد اسرائيل انطلاقاً من «فتح لاند» في منطقة العرقوب، لتتحوّل لاحقاً حرباً أهلية لبنانية، خصوصاً بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتليها من لبنان الى تونس.

واستمرت هذه الحرب، التي سقط فيها نحو 200 ألف لبناني عَدا الخراب والدمار في الاقتصاد والبنى التحتية والفوقية، حتى العام 1989 حيث كان مؤتمر الحوار بين النواب في مدينة الطائف السعودية الذي أنتج إقرار مسودة اتفاق وضعتها اللجنة الثلاثية العربية (السعودية والجزائر والمغرب) في ضوء مشاورات واسعة النطاق أجرتها محلياً وعربياً ودولياً، وسمّيت هذه المسودة بعد إقرارها «اتفاق الطائف» الذي شَكّل في نظر كثيرين «تنازلات متبادلة وآلية لإنهاء الحرب» فيما وجد فيه بعض السياسيين «علبة حبوب مهدئة» للأزمة لأنه لم يحقق الحلول المُرتجاة لها. فهو، في رأيهم، أقرّ تحت وطأة السرعة حيث كانت البلاد تعيش حرباً مدمّرة.

ويرى هؤلاء أنّ هذا الاتفاق لم يعالج الازمة جذرياً، لأنّ الطبقة السياسية حالت ولا تزال تحول دون تنفيذه بأمانة حتى اليوم ليكون منطلقاً الى إصلاحات أوسع في النظام، فبند إلغاء طائفية الوظيفة العامة دون الفئة الاولى لم ينفّذ بالأمانة المطلوبة، وبند نقل الصلاحيات التنفيذية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً لم ينفّذ بالدقة المطلوبة لأنّ بعض رؤساء الحكومة تصرّفوا على أساس انّ تلك الصلاحيات نقلت اليهم حصراً ولم تنقل الى مؤسسة مجلس الوزراء، ما دفعَ كثيرين الى اتهامهم باحتكار السلطة، الأمر الذي عَمّق الازمة السياسية.

إضافة الى بند قانون الانتخابات النيابية الذي يعوّل عليه لتجديد الحياة السياسية في البلاد، فهو لم يطبّق حسبما حدّده «اتفاق الطائف» لجهة اعتماد النظام الانتخابي النسبي الذي يحقق عدالة التمثيل النيابي وشموليته، بدلاً من النظام الأكثري الذي يُقصي هذه العدالة ويحول دونها،

ويحصر التمثيل النيابي وتالياً السلطة بيد أقلية أو مجموعة أقوياء يُمسكون بمقدرات البلاد والعباد، ما مَكّن الطبقة السياسية من المضيّ في تأبيد نفسها في السلطة، الى أن كان الانفجار في 7 أيار 2008 وكان مؤتمر الدوحة الذي أنتجَ بعض الحبوب المهدئة للأزمة تَمثّلت بمصالحة سطحية توّجَت باتفاق على رئيس جمهورية توافقي فشل في توافقيته، وحتى في انحيازه،

ولم تُرسِ هذه المصالحة حلاً جذرياً للأزمة ولا قانون انتخاب يؤسّس لحلها، الى أن وصلت البلاد الى ما هي عليه الآن حيث لا وجود لرئيس جمهورية، و«فخامة الشغور» يقيم في القصر الجمهوري، ومجلس النواب معطّل لا يجتمع ولا يشرّع او لا ينتخب رئيساً جديداً للبلاد، والحكومة لا تعمل بالفعالية المطلوبة حيث تتآكلها الخلافات السياسية وحول الصلاحيات، وتعطّل جلسات مجلس الوزراء تارة بخلاف على القرارات وطوراً بخلاف على سُبل ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية المُناطة به وكالة بفِعل الشغور الرئاسي.

ويقول السياسي المخضرم إيّاه انّ الكيل قد طفح ولا يجوز بعد 72 عاماً الاستمرار في توريث الأزمة الى الاجيال الطالعة وتعريضها لحروب جديدة لأسباب عجزت الطبقات السياسية المتلاحقة عن معالجتها.

ولقد بات المطلوب جرأة في معالجة المرض السرطاني المعشّش في النظام، عبر اجتراح حلول جذرية والتخَلّي عن العلاج بواسطة الحبوب المهدئة، فلا خلاف بين اللبنانيين على وحدة لبنان وانتمائه العربي وتطوره الديموقراطي وضرورة ان تكون علاقاته جيدة بمحيطه العربي بعدما أثبتت المقاومة انها صمّام أمنه وأمانه من الاعتداءات الاسرائيلية وغير الاسرائيلية.

ويرى هذا السياسي انّ الطريق الى الحل الجذري يكمن بالآتي:

اولاً، إقرار قانون انتخابي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة او خمسة دوائر على أساس النظام النسبي لأنّ النسبية تحقق عدالة التمثيل النيابي وشموليته التي ينادي بها «اتفاق الطائف» بحيث يتمثّل اللبنانيون في مجلس النواب بكل طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم ومشاربهم السياسية.

ثانياً، المحافظة على التنوّع الطائفي في لبنان، وهذا يعني بالدرجة الاولى المحافظة على المسيحيين لأنهم صمّام الأمان للوجود المسيحي، ليس في لبنان فقط، وانما في كل دول المنطقة، وهذا يتطلّب التخفيف من حدّة التوزيع الطائفي للوظائف واعتماد قانون الانتخاب النسبي الذي يحدّ بنسبة كبيرة من الطائفية وعصبيتها العمياء.

وفي هذا الاطار ينبغي إقرار إصلاح دستوري يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وهو أمر يخفّف من الطائفية بحيث ينتخب اللبنانيون في كل مناطقهم رئيساً لهم من دون التوقّف عند طائفته أو مذهبه.

على أن يقترن هذا الانتخاب بإعادة بعض الصلاحيات الى رئيس الجمهورية التي انتزعها منه «اتفاق الطائف»، ليصبح هذا الرئيس العامل الضروري لتعزيز اللحمة والتوازن بين اللبنانيّين بمختلف انتماءاتهم السياسية الطائفية والمذهبية.

قبل «الطائف»، وعندما كانت السلطة التنفيذية مُناطة حصراً برئيس الجمهورية الذي يتولّاها بمعاونة وزراء يختار من بينهم رئيساً للحكومة، كان الفقيه والخبير القانوني والدستوري الراحل الدكتور ادمون ربّاط يقول عنه انه «ملك غير متوّج وغير مسؤول».

وبعد «اتفاق الطائف» صار البعض يعتبره رئيساً رمزياً للدولة. ولكن اذا تمّ انتخابه من الشعب مباشرة وأعيدَت له بعض الصلاحيات الوازِنة، يمكنه أن يؤدي دور الحَكَم الفعلي والوازن والرادِع بين الجميع لمصلحة البلاد.

ويروي هذا السياسي انّ بلدة في البقاع الغربي اسمها كفرمشكي تقطنها ثلاث عائلات مسيحية من طائفة واحدة مختلفة في ما بينها على منصب المختار. فاضطرّت، لتَجَنّب الخلاف، الى اختيار شخص من عائلة سنية صغيرة تضمّ 40 شخصاً ليكون مختاراً للبلدة منذ 30 عاماً وحتى اليوم.

وينتهي هذا السياسي من هذا المثال ليؤكد أهمية الحفاظ على التنوّع الطائفي في لبنان، لأنّ هذا التنوّع يشكّل الحل لأزمات كثيرة. ويرى انّ الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية للمسيحيين أمر ضروري ليكون عامل توازن بين الجميع، بين المسلمين والمسلمين، وبين المسيحيين والمسيحيين، وبين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً في هذا الزمن الذي بلغ فيه التوتر الطائفي والمذهبي مستويات خطيرة.