سهل وتبسيطي القول إن النكبة السورية طويلة ومعقّدة. وإن إنهاءها يحتاج الى سلسلة معجزات وليس معجزة واحدة فقط. وإن سوريا سقطت ضحية مَن حَكَمَها بالحديد والنار على مدى نصف قرن، ولن ينتشلها من حقول الرماد إلا «حلّ سياسي» مركّب. وان هذا الحل بدوره يحتاج الى نحو مليون اتفاق فرعي وأساسي، ومليون تفاهم محلي وإقليمي ودولي، ومليون حل لمليون عقدة، ومليون جواب عن مليون سؤال تتعلق بالجغرافيا والسياسة والأدوار والاجتماع والأقوام والطوائف والملل والنحل.. الخ.
وكل ذلك، افتراضاً، صحيح وبلفي في الوقت ذاته على المستوى ذاته.
من ذلك الباب يصح الدخول الى ملعب الافتراض ذاته والزعم أن تعقيدات النكبة السورية لم تصل بعد الى مستوى تعقيدات النكبة اللبنانية قبل اتفاق الطائف.. ومع ان حروب سوريا أكثر وحشية وعنفاً وضراوة، فإنها في العموم لا تزال بلاعبيها أقل وزناً من حروب لبنان. فهذه كانت تتصل بالعصب الوحيد لأزمة المنطقة برمتها، أي بمنظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وكان انفجارها جزءاً من تركيبة تتصل بمصير هذا النزاع وبإخراج أكبر دولة عربية منه وبإيجاد «حلّ» على حساب الضحايا وليس على حساب الجلاد والمرتكب.. أي انها وفي المحصّلة، ومن دون مبالغات غير مستساغة، كانت حروباً أكبر بكثير من ساحتها، وأثقل بما لا يقاس من حسابات أبطالها المحليين..
حروب سوريا لم تصل الى تلك الأبعاد على الرغم من ثقل دور سوريا.. وعامل الارهاب، الذي تُشن حملة دولية عليه لا يتعلق بها وحدها، انما بها وبغيرها، بالعراق وبغيره. وكذا الحال مع «العامل الايراني» الذي تُبالغ طهران، على عادتها، في تضخيم صورته ودوره وتأثيراته، مع انها في الواقع تعرف (أو يُفترض ذلك!) ان سلطة بشار الأسد استثمار خاسر، وانها في «القطر السوري» محكومة بالانصياع لمنطق الديموغرافيا وليس الديماغوجيا.. وانها في موازاة ذلك، لاعب بين آخرين، وان ادعاءاتها لم تكن حصيلة قوتها بقدر ما كانت حصيلة تلكؤ الأميركيين وحساباتهم العجيبة!
ولا يعني ذلك إلا شيئاً واحداً: سهل القول ان النكبة السورية طويلة، لكن سهل في المقابل افتراض العكس تماماً، وانطلاقاً من «العامل الأميركي» أولاً وأساساً. وفي هذا، يدّعي كثيرون ان واشنطن كانت ولا تزال، قادرة على اختصار مدة هذه النكبة بأكثر مما تفترضه تعقيدات المشهد الحالي.. أو على الأقل، انهاء الجانب المتعلق ببقايا سلطة الأسد في هذه النكبة.
المجال الافتراضي واسع وفضفاض، لكن الواقع ليس ضيقاً أبداً. وهذا يُفيد مثلاً، بأن «داعش» لم «يدعش» في سوريا قبل قصف الغوطة الدمشقية بالكيماوي في صيف العام 2013، وتراجُع ادارة أوباما عن ضرب المواقع الأسدية! وأن المعطى الارهابي برمّته، لم يكن على هذه الصورة قبل تلك المحنة المزدوجة. حتى «جبهة النصرة» ما كانت على هذا القدر من الحضور.. بل إن أحداً يومها لم يبدِ أي استعداد لمواجهة الضربة الأميركية لو حصلت. والتكرار صنو التوضيح: لا إيران ولا روسيا أبدتا أي نيّة في الدفاع عن الأسد ضد الأميركيين!
في كل الحالات، طالت النكبة السورية، لكن مقوّمات «الحل لها»، لم تتغير. مثلما لم تتغير المعادلة القائلة إن نظام الأسد انتهى وانتهت كل وظائفه، ولم يعد صالحاً لأي شيء أو لأي أحد..
وعلى هذا يدور النقاش والتفاوض راهناً، وليس على أي شيء آخر!.. اقتضى التوضيح!