يترقّب اللبنانيون التطورات المتسارعة في سوريا لاقتناعهم بأن لا حلّ لأزمتهم الكبيرة إلّا من خلال إنجاز تقدُّم كبير على المستوى السوري يَسمح بإحداث الخرق المطلوب لبنانياً.
تابعَ اللبنانيون خلال الأيام الماضية التفاوت الحاصل في المواقف الإقليمية والدولية، خصوصاً لجهة مدة بقاء الرئيس بشّار الأسد على رأس السلطة السورية، وذلك في ضوء ما بدا أنّه تمايُز بين الموقفين الروسي والإيراني.
وعلى عكس التقديرات السطحية لبعض السياسيين اللبنانيين والتي وضَعت هذا التمايز في إطار بدء مرحلة الخلافات بين موسكو وطهران حول مسار الحل الواجب سلوكه في سوريا، فإنّ المطّلعين يؤكدون التفاهم العميق القائم بين القيادتين الروسية والايرانية حول الواقع السوري، وأنّ التمايز الذي ظهر في المواقف المعلنة إنّما هو لضروراتِ العملية الديبلوماسية والتفاوضية والتي يتمّ التعامل معها على اساس انّها بداية لمسار طويل وصعب ومتعرّج.
ولا شكّ في انّ الجميع يقرّون بأنّ شيئاً ما بدأ ويمكن تسميته انطلاق المسار التفاوضي، لكنّ التقديرات حول مدة هذه المفاوضات تتراوح بين نظريتين: الأولى تتحدث عن اختراقات ستحصل خلال بضعة اشهر، أو في مهلة تصل الى فصل الربيع المقبل، على ان تُستكمل العملية التفاوضية بعدها والتي ستكون طويلة.
وحسب اصحاب هذه النظرية فإنّ لبنان قابِل لأن يستفيد من الاختراق المتوقع أو الذي يأمله هؤلاء لتتمّ إعادة ترتيب وضعه سريعاً ويصبح قادراً وقابلاً للانخراط في ورشة إصلاح دستورية طويلة الأمد وتواكب الورشة السوريّة، ولكن من خلال وجود رئيس للجمهورية وترتيبات موَقّتة قادرة على تأمين الحد الادنى من الاستقرار وتمنع الدولة من الانهيار.
ويرى اصحاب هذه النظرية في المواقف الروسية ما يشجّع في هذا الاتجاه، ذلك انّ موسكو التي اصبحَت تمسِك بمفاصل اساسية في الملف السوري، باشرَت في العملية التفاوضية الى جانب انطلاق عمليتها العسكرية. ففي العادة تكون المفاوضات بعد انتهاء العمليات العسكرية، وهو ما يعني انّ موسكو مهتمّة بالعملية السياسية بمقدار اهتمامها بالعملية العسكرية وأنّها تريد نتائج سياسية سريعة وحاسمة مستغلّةً الزخم العسكري الحاصل.
كذلك يرى هؤلاء في الموقف الايراني المتشدد حيال مستقبل الأسد موقفاً طبيعياً، إذ لا يمكن لفريق ذاهب الى المفاوضات ان يرمي أوراقه منذ اللحظة الأولى.
في هذا الوقت، تتحضَّر باريس لزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إليها، وذكر أنّها أرسَلت منذ بضعة أيام وفداً أمنياً رفيعَ المستوى إلى طهران، من جهةٍ لترتيب زيارة روحاني، ومن جهةٍ ثانية لإجراء محادثات أمنية في العمق، حيث انضمّ إلى الوفدين الفرنسي والإيراني وفدٌ أمنيّ سوري رفيع المستوى. الاّ أنه لم يتم التأكد رسمياً من هذه المعلومة. أمّا أصحاب النظرية الثانية فيبدون أكثر تشاؤماً ويَعتقدون أن لا حلّ سوريّاً في الأفق بعد، وأنّ المسألة ما تزال بحاجة الى سنوات عدة لتتّضح الصورة.
وعلى رغم من أنّ هؤلاء يعترفون بأنّ وضعاً جديداً طرأ مع اللقاءات التي بدأت في الخارج حول سوريا، إلّا أنّهم يؤكدون أن لا حلول يمكن ظهورها إلّا بعد حصول إنجازات ميدانية كبرى وحاسمة تسمح بعدها بالدخول في حلول سياسية. ومن أصحاب هذه النظرية الفريق الايراني المعروف بالمحافظين والذي يتزعّمه مرشد الثورة السيّد علي خامنئي والذي بات الجنرال قاسم سليماني أحدَ رموزه العسكريين.
وحسب هذا الفريق فإنّ الدخول العسكري الروسي الذي حصَل من زاوية المصالح الأمنية ثمّ السياسية الروسية، ساهمَ في استعادة التوازن الميداني بعد سلسلة النكسات العسكرية التي حصلت، وكان أبرزها في جسر الشغور. إلّا أنّ الطائرات الحربية والتي أعادت التوازن العسكري، لا تستطيع إنجاز حسم ميداني يبقى على عاتق القطع البرّية.
ولم يعُد سرّاً أنّ السيطرة الكاملة على حلب تُعتبر إنجازاً عسكرياً كبيراً وحاسماً، لكن هذا الأمر يبدو شائكاً في الوقت الراهن بسبب التعقيدات الميدانية التي سيزيدها صعوبةً عودة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان القوية الى السلطة في تركيا بتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة.
ويشير بعض المطلعين إلى أنّ طهران وضَعت سيناريو للتعامل مع حرب طويلة في سوريا وأنّها درسَت كلّ المتطلبات الماليّة والبشرية والسياسية لهذه الحرب، وذلك لأنّها تراقب المنطقة وتدرك أنّ السعودية لن تعترف بالواقع الحالي في اليمن والذي يشكّل خسارةً لها، ما يعني أنّها ستستمرّ في حربها ولو أنّها وافقَت على المشاركة في مؤتمر فيينا.
وفي إطار تأكيدها روَت هذه المصادر أنّ السيّد خامنئي سأل وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن هذه الحماسة في التواصل الدائم مع وزير الخارجية الأميركية حول سوريا، وقال: «نحن تفاوَضنا مع الاميركيين حول البرنامج النووي فقط لا غير، ولا مشاريع لدينا للتفاوض معهم حول شؤون سوريا والمنطقة».
وتشير هذه المصادر الى انّ ظريف تلقّى في اليوم التالي اتّصالاً من نظيره الاميركي، وعندما حاولَ الأخير فتح ملف سوريا اعتذرَ الوزير الايراني منه قائلاً له إنّ لديه «تعليمات بعدم النقاش في هذا الملف». فما كان من كيري إلّا أن قال له: «أريد ان أطلعَك على شيء أساسي في سوريا». وكان جواب ظريف: «إذا كنتَ مصِرّاً فأنا أستطيع أن أسمعك ولكن من دون أيّ تعليق». وهذا ما حصل.
ولا يبدو هذا الفريق قلِقاً من المناورات السياسية والديبلوماسية لدولة مثل روسيا معروفةٍ بعراقتها وبتاريخها الكبير في هذا المجال، لا بل إنّ أصحاب هذا الاتجاه يعتقدون انّ روسيا قد تندرج في تدخّلها في الملف السوري لتصل الى حدود إرسال جنود للمشاركة في القتال الميداني.
وفي انتظار ذلك، لا يعتقد هؤلاء أنّ أيّ تطوّر جديد قد يشهده لبنان. فالأزمة ستبقى وستأخذ وقتَها إلى حين اتّضاح الصورة في سوريا، وإنّ لبنان سيبقى في غرفة الإنعاش ولكنّه سيبقى على قيد الحياة، أي إنّه لن يشهد انهياراً كاملاً على مستوى مؤسساته وإداراته الرسمية، وذلك إلى حين دنُوّ الساعة الحقيقية لرسم صورة الدولة السورية الجديدة، عندها سيكون جاهزاً لإنجاز «عمليته الجراحية» وعلى أساس دمج الملفّين السوري واللبناني. فما يَجري دفعُه هنا يجري تعويضُه هناك والعكس صحيح.
أيّ مِن النظريتين أكثر صحّة وواقعية؟ ربّما لا أحد يملك الجواب.