Site icon IMLebanon

حلّ مشكلة الشرق الأوسط بعقلية الغنيمة

 

بعد انتهاء معركة انتخاب أعضاء الكنيست الإسرائيلي، عاد التباري على ما يحكم “عقلية الغنيمة” التي وسمت المشروع الصهيوني للاستحواذ على الأرض وطرد أكبر عدد ممكن من أصحابها الفلسطينيين. من هنا، لا يكاد يمرّ يوم من دون أن نشهد ولادة مشروع استيطاني جديد يتم تشريعه وتقديم الحماية القانونية له؛ في إطار “مخططات التطوير” الاستيطاني لتجمعات يجري الحديث عن إمكان بقائها ضمن “صفقات تبادل عقارية”، يجري التخطيط لها ويشمل ذلك أراضٍ في مناطق 1948 و 1967. يضاف إلى ذلك مخاطر حصول تهجير قسري، وهو ما كشفه تقرير لمنظمة “أوتشا” التابعة إلى الأمم المتحدة فضح ما تقوم به قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وأن 30 في المئة من مساحة المناطق “ج” مغلقة لأغراض عسكرية إسرائيلية. وأشار التقرير إلى آخر فصول عمليات التهجير في المناطق الممتدة من شرق مدينة نابلس ومنطقة الأغوار الشمالية حتى جنوب الضفة الغربية، والتي تتم بِحجة القيام بتدريبات عسكرية. وأفاد بأن سلطات الاحتلال تضيّق على ما يزيد عن 6200 فلسطيني يعيشون في 38 تجمعا بدويا في الضفة الغربية وشرق القدس، عن طريق مصادرة أراضيهم وطردهم منها بهدف إقامة مستوطنات جديدة.

 

 

وتعتمد حكومات الاحتلال وسلطاته وسائل وذرائع أمنية مختلفة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين، لتحولها لاحقا إلى مجال حيوي للنشاطات الاستيطانية. وهو ما كشفه تقرير صدر أخيراً عن جمعية “كيريم نافوت” الاسرائيلية غير الحكومية، أفاد بأن إسرائيل استولت خلال 50 عاما على 10 آلاف هكتار (100 ألف دونم) من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بذرائع أمنية. تحولت إلى مستوطنات يعيش فيها (باستثناء القدس) 450 ألف مستوطن. علماً أن القانون الدولي يعتبر تلك المستوطنات غير قانونية. وأكدت الجمعية في التقرير ذاته أن المساحات التي صادرها الجيش الإسرائيلي منذ عام 1969 تعود ملكيتها إلى فلسطينيين. وبأن نحو 47 في المئة من هذه الأراضي، استخدم لتشييد مستوطنات، أو فتح طرق للمستوطنين وبناء منشآت عسكرية استخدمها المستوطنون لاحقا. كما أوضح التقرير أن حزب “العمل” بين هو من وضع مفهوم مصادرة الأراضي لبناء مستوطنات بين الأعوام 1967 و1977. وأشار إلى أن معظم عمليات المصادرة حصلت بعد تلك المرحلة، أي لدى تسلم حزب “الليكود” السلطة بين الأعوام 1979 و1983.

 

وإضافة إلى هدف استبعاد “حل الدولتين” واضمحلاله، فإن ما يجري في الواقع يقارب عملية استكمال الاحتلال الاستيطاني لكامل الوطن الفلسطيني. ووفق خريطة التوزع الاستيطاني الحالي، هناك حالياً نحو 35 نواة استيطانية في 22 منطقة على كامل الأراضي الفلسطينية، من ضمنها مدن عكا وبيت شان وسديروت وكريات شمونا ويرحيم، إضافة إلى بؤر الخليل الاستيطانية المحروسة من قبل جنود الاحتلال. هناك أيضاً عمليات بناء في مستوطنات الأغوار الشمالية شمال شرقي الضفة الغربية، وتحديداً في مستوطنة “مسكيوت” التي قامت قوات الاحتلال مؤخرا بتوسيعها بشكل كبير.

 

ولا بد من التذكير هنا بما جاء في التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الانسان في العالم، الذي أشار إلى أن الضفة الغربية والجولان أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية، ما يعد تغييرا في موقف الإدارة الأميركية من الجولان والضفة، على عكس المواقف التي كانت تتخذها الإدارات الأميركية السابقة على أنها أراضٍ محتلة، والتي تصنف أيضا وفق القانون الدولي على أنها أراض عربية محتلة، يتوجب على إسرائيل الانسحاب منها. علماً أنه خلال العام الماضي شطبت إدارة ترامب مصطلح “الأراضي المحتلة” من عنوان التقرير، واكتفت بوجوده في تفاصيله، لتعود وتشطب المصطلح من العنوان والتفاصيل في تقريرها الأخير.

 

وفي الطريق إلى تنفيذ صفقة القرن، رأى المعلق الإسرائيلي عكيفا إلدار أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لمّح إلى أن ضم الضفة الغربية أو على الأقل المناطق “ج”، التي تمثل أكثر من 60 في المئة من الضفة، يعد من “التنازلات” التي يتوجب على الفلسطينيين تقديمها. ولفت في تقرير نشرته النسخة العبرية لموقع “المونيتور” (19/4/2019) إلى أن مجرد حديث الإدارة الأميركية عن قرب طرح “صفقة القرن”، أغرى حكومة اليمين المتطرف بالعمل على تغيير الوقائع على الأرض، مشيرا إلى أن إسرائيل كثفت عمليات الهدم في القدس الشرقية. وأوضح أنه في كل ما يتعلق بالموقف من مصير الضفة الغربية، يتأثر ترامب بشكل أساس بمواقف التيار الإنجيلي المسيحي، الذي يمثل قاعدته الانتخابية، والذي يؤيد بحماسة سيطرة إسرائيل المطلقة على الضفة.

 

وفي السياق، رأى المعلق الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس”، أنشل بفيفر، أن الخطة التي أعدتها الإدارة الأميركية، تتماهى مع تصور الحلّ الذي ورد في كتاب “السلام الدائم” (A Durable Peace)، الذي أصدره رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في عام 1999. ويقوم التصوّر المذكور على ضم المناطق غير المأهولة بالسكان في الضفة الغربية (مناطق “ج”)، ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً. وقال بفيفر في مقاله أن التصور الذي وضعه نتنياهو بعد فشله في الانتخابات أمام إيهود باراك، يعتمد على خلاصات توصّل إليها خلال فترة حكمه الأولى (1996 – 1999)، لافتاً إلى أن نتانياهو شدد في كتابه على وجوب احتفاظ إسرائيل بأكبر مساحة من أراضي الضفة، والتخلص من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وقال إنه اعتبر أن الأراضي التي ستضمها إسرائيل في الضفة، ستمثّل “مناطق عازلة” تقلّص قدرة الدول العربية في المستقبل على مباغتة إسرائيل بهجوم من الجبهة الشرقية. وأشار بفيفر إلى أن نتنياهو دعا إلى ضم منطقة غور الأردن، التي تمثل 28 في المئة من الضفة الغربية، وسلسلة التلال التي تشرف عليها وجميع التلال الملاصقة للبحر الميت، إلى جانب تدشين منطقة أمنية حول القدس للحيلولة دون “خنق” المدينة بواسطة التجمعات السكانية الفلسطينية.

 

ووفقاً لرؤية نتنياهو، يتوجب على إسرائيل أيضا الاحتفاظ بقمم جبال الضفة الغربية وتزويدها بمنظومات إنذار مبكر، لتقليص إمكان تعرض إسرائيل لهجوم مباغت، إلى جانب السيطرة على أراض تمكنها من تدشين ممرات آمنة تربط منطقة غور الأردن بساحل البحر الأبيض المتوسط. وتضم هذه الممرات الأغلبية الساحقة من مستوطنات الضفة. ولفت بفيفر إلى أن نتنياهو أصر في كتابه على وجوب احتفاظ إسرائيل بالمناطق التي تتواجد فيها المياه الجوفية في الضفة، والتي تمد إسرائيل بـ 40 في المئة من احتياجاتها من الماء.

 

يجري كل هذا في وقت يعود الصراع على الأرض بما ينسجم مع سياسات الغنيمة، التي يراد لها أن تستمر في مراكمة الأرض الفلسطينية والاستحواذ على مزيد منها. وفيما يستمر البناء الاستيطاني، تواصل مؤسسات الاحتلال رفض السماح للفلسطينيين بالبناء، وفق ما أفاد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، الذي كشف أن سلطات الاحتلال ترفض طلبات البناء التي يقدمها الفلسطينيون في الضفة. وأشار إلى أن المحاكم الإسرائيلية تتبنى سياسات الحكومة في موضوع مواجهة أعمال البناء الفلسطينية. وكشف تقرير صدر عن المركز بعنوان: “عدالة زائفة: مسؤولية قضاة محكمة العدل العليا عن هدم منازل الفلسطينيين وسلبهم”، أن الفلسطينيين قدّموا 5475 طلب ترخيص بناء بين الأعوام 2000 و 2016، تمت الموافقة على 226 طلباً منها فقط، أي نحو 4 في المئة من الطلبات، وفقًا لمعطيات ما يسمى “الإدارة المدنية الإسرائيلية”.

 

في السنوات الـ50 الماضية، أقامت سلطات الاحتلال نحو 250 مستوطنة جديدة في الضفة، يحظر القانون الدولي إقامتها أصلاً. وفي الفترة نفسها، أقامت بلدة فلسطينيّة واحدة فقط نُقل إليها تجمّع بدويّ كان قائما في منطقة خصّصتها إسرائيل لتوسيع مستوطنة. وهكذا، حتى تلك البلدة الوحيدة، جاءت لخدمة احتياجات إسرائيل الأمنية والاستيطانية.

 

وعلى رغم عقود الاحتلال الطويلة منذ عام 1948، ما برح المشروع الاستيطاني – التهويدي يبدي شراهة لابتلاع مزيد من الأرض ولتشريد أصحابها، ليس في الضفة الغربية والقدس فحسب، بل في العديد من مناطق الجليل والمثلث المأهولة بأصحابها ومؤخرا في النقب؛ ولا يحصل ذلك لأهداف ليست استيطانية فقط، بل لأهداف سياسية واقتصادية، ترسم مصيراً مختلفاً للوطن الفلسطيني، من حيث اقتطاعه بشكل كامل، وقطع سبل الاتصال والتواصل بين جزره التي عزلها الاستيطان، وباعد بينها ديموغرافياً وجغرافياً.

 

* كاتب فلسطيني.