ذات مقال، ذكرت أن لبنان انحدر إقتصادياً إلى أوضاعٍ أشد بؤساً من غزة والصومال. فغضب مني أخ صومالي واعترض على الإهانة في التشبيه، متهماً إياي بالجهل، ومستغرباً لماذا يتكلم “كل من هب ودب عن الصومال بسوء من دون أن يتكلف عناء البحث”.
معه حق أخي الصومالي، فهو يرى أن لبنان ليس أفضل من الصومال بأي حال من الأحوال، مفتخراً بأن بلاده لا تزال بمنأى عن القرف والفساد الذي يسود عندنا.
ومعه حق أخ صومالي آخر أعلن استياءه لأن بعض اللبنانيين يحذرون من أن “لبنان سيتحول إلى صومال”، ليوضح أن دَين دولتنا أعلى من مديونية بلاده حالياً، كما أن “التشظي السياسي والاجتماعي في لبنان هو أكبر. والصومال، قبل عام، كانت قد شطبت ديونها”، في حين يبقى لبنان غير قادر حتى على الوصول إلى تسوية تنقذه وتحد من إنهياره المتسارع.
وليس صعباً الإقرار بهذا الخطأ في التشبيه، ومن دون جولة استقصائية في مقديشو وضواحيها، ومن دون التوغل لإستكشاف حدودها ومعابرها البرية والبحرية.
فنحن لم نسمع، حتى تاريخه، أن بعضاً من إخوتنا الصوماليين يتصارعون على كيس حليب أو عبوة زيت نباتي.
وليس في الصومال، بالتأكيد، تاجر سجائر، دكانه على مرمى حجر من السراي الحكومي ومبنى البرلمان، يعتذر من الزبون لأن الصنف الذي يدخنه لا يشمله التهريب، ومع ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية أصبح ثمنه باهظاً، ويعرض عليه أصنافاً كثيرة مهربة بأسعار معقولة.
يكفي لنتأكد أننا لسنا أفضل من أي كان، أن يبلغ ثمن فخذ الدجاج الواحد حوالى دولار بسعر الصرف في السوق السوداء، والصدر الواحد حوالى الدولارين. أكثر من ذلك، فبائع الدجاج يعتمد سياسة الترشيد والتقنين للزبائن. ولا يسمح بشراء الا كمية محدودة لا تتجاوز الكيلوين لكل زبون.
هذا عدا الوقوف في الطابور للحصول على وقود بما لا يتجاوز الثلاثين ألف ليرة في أحسن الأحوال، “اذا ما كارمك عامل المحطة مقابل بخشيش” سخي. والسبب أن المهربين المعروفين بالإسم ومكان الإقامة ينقلون الوقود في صهاريج، ليفرغوها في خزانات أنشئت على المعابر غير الشرعية، ويتم سحبها بواسطة الأنابيب إلى الداخل السوري. وباعتراف متأخرٍ من وزير الطاقة، الذي لا طاقة له على العمل في إطار المؤسسات لمساءلة المهربين المعروفين والذين ينقلون ما هو حق لنا جهاراً نهاراً على الطرق الرئيسية وصولاً إلى الحدود الفالتة التي تتحكم بها معادلة المافيا والميليشيا والدولارات الطازجة.
وتكفي نقاط تفتيش مشددة محددة عند مناطق منها ظهر البيدر وترشيش والطريق الساحلية الرئيسية إلى الشمال والقبيات وغيرها للسيطرة على الأمر، ومنع التهريب نهائياً وجذرياً.
لكن السيطرة على هذا الأمر وغيره تحتاج إلى قرار مقرون بالإرادة. والأمر غير متوفر مع الأسف.
ما هو متوفر منظومة أصبحت تستكثر على اللبنانيين فخذ الدجاج يشتريه بماله الحلال، ليضاعف أركانها مالهم الحرام. وتَمُنّ عليهم ببطاقة تموينية أو صندوقة إعاشة، وتعيِّرهم بأنهم كانوا يعيشون بحبوحة وبطراً ويستحقون العقاب جراء قدرتهم السابقة على شراء الفاكهة بالكيلو وليس بالحبة… ومثل هذه المنظومة التي لا تستحي ولا تشبع مستحيل وجودها في الصومال أو في غيرها… ونحن إنتخبناها مع الأسف…
لذا، عذراً أخي الصومالي.