Site icon IMLebanon

بعض آباء السياسة وبعض صبيانها المدللين!

هذه السنوات الست الجارية من عمر العهد الجديد هي مرحلة فاصلة، بالمفهوم التاريخي، من عمر لبنان. وغالبية ساحقة من التطلعات الشعبية من مختلف أنواع النسيج الوطني، تتقاطع عند الأمل بمخاض يؤدي الى ولادة لبنان جديد، خالٍ من التشوهات التي رافقت ولادته الأولى، بعد انتقاله من الانتداب الى الاستقلال. سبعة عقود ونيّف مضت ولبنان لا يزال مشروع وطن ومشروع دولة، وبخلقة غير مكتملة! وهذه المرحلة الفاصلة من تاريخ لبنان الحديث تقع على فالق زلازل عالم متغيّر بعنف، ومتقلّب بين قيادات تملك صناعة القرار والأقدار على خط رجراج، بعقول متغيّرة في مسارها بين التعقل والحكمة حينا، والمغامرة والجنون حينا آخر…

في ظلّ تلك الظروف العاصفة دوليا واقليميا، فان أكثر ما يحتاج اليه لبنان لعبور هذا المضيق التاريخي، هو عقول سياسية راجحة، قادرة أولا على كبح نزوات الذات، وعلى تغليب مصلحة مستقبل الوطن والدولة على منافع الحاضر والمصالح الصغيرة على مستوى الطائفة أو الحزب.

والأهم من هذا أو ذاك، أن تكون العلاقات بين الآباء السياسيين من القادة على أقصى درجة من الصفاء والنقاء. وفي السياسة، كما في الطبيعة، قد يحدث انسداد في بعض المجاري الضيّقة بين القادة، أو يصيب التلوث نهرا من العلاقات كانت متدفقة ونقيّة… وهذا يوجب اعادة تسليك ما تعرّض للانسداد، واعادة تنقية المياه – والعلاقات – مما أصابها من تلوث!

ما لم يتم مرور هذه العلاقات بهذه المصفاة المفصلية، وبارادة من الترفع والقداسة لا تنقص في تكوين بعض قادتنا الكبار من الآباء السياسيين، فان لبنان سيمضي سنواته الست في القرقطة، والتجاذبات والنزاعات الصغيرة والكبيرة، فيذهب عمر لبنان سدى وهدرا. وما لم تصفُ العلاقات بين الآباء السياسيين، فسيتم ابتكار كل يوم موضوعا جديدا للنزاع. اليوم نتخانق على قانون الانتخاب، فاذا اتفقنا عليه على زغل، فسنتخانق غدا على الكهرباء، وعلى انشاء السدود، وعلى شبكات الاتصالات والمواصلات، وعلى انقاذ الضمان، وعلى مشاريع الاصلاح ومكافحة الفساد، واللائحة طويلة وتتصدرها أزمة النفايات وأزمة الكسارات ومشاريع الحفاظ على البيئة وغير ذلك من القضايا الاقتصادية والاجتماعية…

… ولعل أهمّ ما يتوجب على الآباء السياسيين أن يترفعوا عنه هو تجاوز عاطفتهم نحو بعض صبيان السياسة المدللين الذين يقودهم نزقهم الى عدم التمييز على المدى الطويل، بين مصلحة شعبهم وطائفتهم ووطنهم، والنزعة الى المناكفة والمزاركة والتطاول، وهم حتى في مثل سنّهم الصغير وتجربتهم الصغيرة، قادرون على كثير من اللخبطة والهدم!