قبل يومين من إجراء المرحلة الرابعة والأخيرة من الاستحقاق البلدي يتضّح أنَّ أموراً كثيرة قد تبدّلت في هذا البلد.
صحيح أنَّ القيادات (إيّاها) حققت انتصارات في مناطق نفوذها، إلاّ أنَّ المزاج الشعبي المتبرِّم بثقل تلك القيادات عبّر عن »موقفه« بشكل أو بآخر.
ولنبدأ من العاصمة بيروت: فقد ثبت على نطاق شرقها وغربها أنَّ القيادات عاجزة عن »استدراج« الناس الى الإقبال على صناديق الاقتراع. ثم ان الذين لبّوا في ما كان يعرف بـ»الشرقية« لم يتقيّد الكثيرون منهم باللوائح. وأما عدم الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع فكان واضحاً للعيان في المنطقتين.
وفي البقاع ولاحقاً في الجنوب لا يختلف اثنان على أنَّ ثنائي حزب الله وحركة أمل قد سجّل فوزاً في عشرات البلدات والقرى… ولكن خروقات عديدة سُجِّلت. كما تبين ان حركة »أمل« وقعت في ما وقع فيه جنوباً وجبلاً (وخصوصاً في الجبل) حزب التيار الوطني الحرّ وقد كانت الخلافات فاقعة ليس فقط في صفوف القاعدة العونية بل أيضاً على مستوى قيادات ونواب وكوادر… علماً أنَّ بعض النتائج في الجنوب كان موجعاً ولو لم يؤدّ الى خروقات كبيرة، وكذلك الخرق في لائحة الوطني الحر والقوات في جزين كان بالغ الاثر حتى ولو فازت اللائحة بأكثرية مريحة تمكنها من العمل الجاد (14 مقابل 4). وفي مثل هذا السياق يمكن ادراج نتائج لائحة الكرامة في جونية التي كان يرعاها العماد عون ومعه الكتائب فيما التزم الدكتور جعجع باللائحة المنافسة (فرام – الخازن – البون…).
وفيما تتجه الأنظار الى محافظتي طرابلس وعكار شمالاً يتبين أنَّ لائحة مدعومة من الرئيس سعد الحريري ومعظم فعاليات طرابلس تواجه لائحتين احداهما غير مكتملة، ما يكشف عن أنَّ اقطاباً أمثال الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، والوزراء الصفدي وكرامي والجسر (…) لم يكونوا قادرين على التوصل الى الائتلاف إلاّ بتنازلات بعضها كبير، والأمر لا يحتاج الى شرح، بل شرحه منه وفيه.
وفي تنورين ستربح لائحة الوزير بطرس حرب من دون أدنى شك، الاَّ أنَّ اللائحة المنافسة ستحصد كمية وازنة من الأصوات وفق ما تنبىء به استطلاعات الرأي.
أما في القبيات فقد اضطر خصما الأمس (الوزير مخايل الضاهر والنائب هادي حبيش) الى طي صفحة الخلاف المزمن بينهما القائم تحديداً منذ أن فرضت »الوصاية« اسقاط نيابة الضاهر لمصلحة حبيش الأب… ثم توافقا على تشكيل لائحة برئيس كان حكماً مباشراً لأحد أطراف هذا الثنائي المستجد الذي لن يكتب له النجاح طويلاً لأن الرجلين مارونيان، وفي عكار مقعد نيابي ماروني واحد!
طبعاً ما تقدّم لا يهدف الى نعي شعبية الزعامات والقيادات… فالواقع يثبت ان الرئيس سعد الحريري يمكنه ان يرشح اللوائح في مختلف انحاء لبنان لو أراد، وكذلك العماد ميشال عون يمكنه ان يرشح (بل هو رشح فعلاً) رؤساء وأعضاء مجالس بلدية في مئات البلدات والقرى من الناقورة الى النهر الكبير وللدكتور سمير جعجع حضور فاعل على امتداد رقعة الوطن… ولكن الغاية من كلامنا أعلاه التأكيد على أن »شيئاً ما« أخذ يتحول (وربما يتمرد) في المشهد.