هل يفترض رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، أن ما رفضته إيران قبل الاتفاق النووي، ستقبل به بعده؟ وهل يمكن وضع التوجّه إليها الآن بطلب تغيير سلوكها وسياساتها في اليمن وسوريا، خارج سياق ترويض الرافضين لذلك الاتفاق، والالتفاف على القائلين بأن الدول الست وعلى رأسها الولايات المتحدة ضيّعت فرصة جرّ طهران إلى اتفاق شامل؟ وهل يصح الافتراض، أن تلك الدول العظمى مُصابة بقصور في أدائها الدبلوماسي ولم تعرف ماذا فعلت تبعاً لاصطفافها خلف سياسة باراك أوباما وهدفه المركزي بالانتهاء من قصة النووي هذه بأقل قدر ممكن من الخسائر؟ أم إن القصور هو في القراءات والتحليلات التي تدّعي ذلك!
إيران قبل اتفاق فيينا، أخذت الكثير من أوباما، من العراق إلى سوريا، وفاوضت بالنار إذا صحّ التعبير، ثم أخذت مع هذا الاتفاق، إكسير بقاء اقتصادها وماليتها العامة على قيد الحياة والاستقرار، ومن باب التبسيط الذي لا يليق بأحد، افتراض أنها بعد ذلك كله، ستتبرّع بتقديم شهادات على حسن سلوكها في مواقع القتال. أو أنها ستتراجع الى الخلف، بعد أن قطعت حقل ألغام العقوبات من دون أن تصاب بأضرار مميتة.
ولذلك، صعب في المبدأ، وضع كلام مسؤول غربي رفيع المستوى من طراز كاميرون، في سياق المراهقة السياسية، لكن سهل في المقابل وضعه كمشاركة من لندن، بالأداء الخبيث لباراك أوباما في واشنطن، ودائماً تحت سقف المعادلة القائلة بأن مفاوضي إيران أخذوا منها ما يعنيهم، وتركوا ما دون ذلك. وهذا يتصل، بكل الاشتباك الإقليمي الدائر في المنطقة العربية، ومن اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق.
والواضح في المقابل، أن القيادة الإيرانية، ليست في وارد شدّ رأس حصانها إلى الخلف، أو لجم اندفاعها الفتنوي، أو وضع حدّ لسعيها إلى تفعيل وترجمة «رؤيا» الولي الفقيه.. او إظهار أي إشارات إلى قبولها ما تعتبره تغييراً في التكتيك مع استمرار استراتيجية القضاء على سلطتها.. ومن داخل إيران وليس من خارجها، وباعتماد نمط الحرب الناعمة بدلاً من المواجهة الحربية المباشرة والفظّة والمكلفة!
طرفا «اتفاق فيينا» يتابعان «شرحه»، وكل من مكانه. لكن الفارق بين الإيراني وغيره، هو أنه يمارس خبثاً مؤدلجاً ويقول كلاماً «أوضح» من كلام الغربيين، ويعتبر أن تصعيد خطابه هو جزء من عدّة التصدّي للنيات الإقصائية حياله، أي يُبدي إزاء العرب والمسلمين المنكوبين بسياساته، «احتراماً» أرفع مستوى من ذلك الذي يعتمده هؤلاء، وآخرهم كاميرون نفسه.
ضحايا المشروع الفتنوي الإيراني، أي السوريون واليمنيون والعراقيون والفلسطينيون والجزء الأكبر من اللبنانيين، لا يطلبون من مستر كاميرون، وقبله وبعده مستر أوباما، سوى القليل من الاحترام لمعاناتهم وعقولهم. وذلك يستدعي، أول ما يستدعي، التخفيف قدر الإمكان، من الكلام الفارغ والتصريحات المتذاكية، والكف عن امتهان الخبث بهذه الطريقة.. فهذه مثلبة تحتاج إلى بعض الذكاء ولا تستحق كل هذه الشرشحة!