IMLebanon

أحياناً… (لعبة الكراسي اليابانية)

< فكرة تبدو بسيطة ومختلفة، ظهرت في مقطع «يوتيوب» منذ مدة، لم يحصل على حقه من الانتشار والتفاعل، أحياناً يعجب الناس بفكرة، لكنها لا تستقر في نفوسهم!

المقطع عن لعبة الكراسي، التي يلعبها الأطفال حين يتنافسون على كراسي أقل من عددهم. وفي كل مرة يخرج خاسر ليزاح كرسي حتى يبقى فائز وحيد. من لا يستطيع الإسراع ودفع منافسه بعيداً يخسر الفرصة والكرسي.

بحسب ما جاء في المقطع فإن اللعبة تمارس في اليابان بطريقة مختلفة، فمع عدد كراسي أقل من عدد الأطفال يجب عليهم جميعاً أن يحتضنوا الطفل الذي لا يجد كرسياً في كل مرة يزاح فيها كرسي، يوفرون له مكاناً ولو «تنازلوا» قليلاً وإلا خسروا جميعاً. والفكرة رائعة لكنها تبدو مثالية لكونها تصطدم بالمفاهيم السائدة المختلفة باختلاف المجتمعات، والعجيب أنها بأكثر من وجه موجود أصلها لدينا في «الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وهي موجودة في أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وهي موجودة في خير الناس أنفعهم للناس، وهي موجودة في «طعام الاثنين كافٍ لثلاثة».

هل يكفي هذا؟ هي موجودة أحياناً في حلقات الوعظ وخطب الجمعة، لكنها مفقودة حد الفاقة في سلوكيات أفراد المجتمع، سواء أكانوا في مدرسة أم شارع أم ملعب أم باب مصعد، ولا يمكن أن ترى مثلها في تنافسات كراسي الوظائف أو الفرص أياً كان نوعها. المستقر المتجذر في المجتمع هو «نفسي نفسي والآخرون إلى…»، حتى لو كانت نفسي هذه، لا تحتاج إلى ذلك الشيء المتنافس عليه! المتفشي هو الأولوية والصدارة، وحث على بلوغ قمة ليس فيها سوى كرسي، وحيد ومع زخم هوس البروز والريادة يجب أن يقف عليه الفائز لا أن يجلس، ويفضل وقوفه على طرف إبهام رجله ليصبح أكثر طولاً وشهرة!

هذا الواقع استدعى غلبة الشكل على المضمون فانتشرت الشهادات المزيفة، وتصدر الزيف والادعاء والهياط، وتحولت السير الذاتية إلى واجهات، مثل معلقات يمكن ضمها إلى الكتابة الساخرة! وهناك حال تواطؤ مبطن في عدم الكشف عن حال الفصام هذه بين ما يعلن ويتغنى به وبين واقعه الأليم، والكشف لا يعني رغبة في جلد ذات بقدر ما يراد منه إيجاد العلاج، لماذا هذا التنافر والتضاد بين الصورة والأصل؟ وكيف يمكن معالجته أو التصالح معه؟ فلا ندعي ما ليس فينا.