لا يمثل تاريخ المواجهة بين «حزب الله» اللبناني وإسرائيل في جنوب لبنان إشكالاً لدينا، ولا يحدث من هذا التاريخ تشويش في فهم واستيعاب دور الحزب والاستراتيجية والغرض من تأسيسه. مواجهة إسرائيل ليست إلا تكتيكاً للوصول إلى إنجاز الاستراتيجية، وعباءة «المقاومة» سقطت. هذه الصورة الحقيقية، وهي لا تختلف عمن رفع رايات «العروبة» وقلبها النابض، وثبت لاحقاً أنه استخدمها لعقود غطاء لتغلغل أعداء العروبة.
تلك المواجهات حصدت تعاطفاً شعبياً عربياً معه، وهو أمر عفوي ومفهوم في وقته. الحزب ومن ورائه طهران استخدما القضية الفلسطينية لبناء دولة إيران داخل لبنان، استغلا وصول العرب إلى حال إنهاك مبرمج غربياً في المواجهة مع إسرائيل.
بإدارة غربية أميركية بريطانية، كانت الفسحة الزمنية لمفاوضات ومبادرات سلام وتطبيع مريحة لطهران لاستخدام ذراع الحزب لبناء دولة داخل الدولة في لبنان، ومنها تنطلق لبناء فروع للحزب داخل دول عربية أخرى، مثلما كان الغزو الأميركي البريطاني للعراق الفرصة المناسبة الأخرى لبناء دولة طائفية تابعة في العراق.
نعم، هناك من خَدَع وهناك من انخدع، دول الخليج من الفئة الثانية لأن أجهزتها الأمنية وضعت يدها على جرائم إرهابية ارتكبت على أراضيها كشفت نوايا الحزب وأهدافه. ربما كانت الظروف الموضوعية وقتها عامل ضغط على سياسات دول الخليج تجاه جرائم الحزب، لكن هذا لا يبرر عدم مواجهة التمدد الناعم اقتصادياً وإعلامياً سواء للحزب أو لطهران.
من هنا لا يحدث فرقاً ذا أهمية موقفٌ هنا أو هناك لشخصية أو حزب وجماعة أو حتى لدولة عربية لها رأي آخر في قضية التصنيف الإرهابي للحزب وفروعه. هذا لا يصح أن يفت في عضد الدول التي قررت إيقاف طوفان التخريب هذا، بل إن ذلك التصنيف هو ما يجب أن يطبق على نسخه الطائفية في العراق وسورية. إنها بكل بساطة ميليشيات إيرانية طائفية بثياب عربية. بعضها استطاع الوصول إلى السلطة إما بدعم أميركي أو إيراني أو كلاهما، كما هو في حال «حزب الدعوة» الطائفي العراقي أو «منظمة بدر» الطائفية، وغيرهما من أسماء متعددة ترفع رايات الطائفية وصور خامنئي، وعلى الأرض تقتل على الهوية وتفجر المنازل والمساجد في أبشع صورة من صور الأرض المحروقة طائفياً.