IMLebanon

ابن الخط» يحقّ له ما يحقّ لغيره

منذ اللحظة التي سرّب فيها خبر اللقاء الباريسي بين سعد الحريري وسليمان فرنجية، دخل الزغرتاويون مدار الرئاسة المحتملة ولم يخرجوا منه بعد. رئيس ثالث من مدينة زغرتا صار أقرب من أي وقت مضى. لمَ لا؟ تأييد داخلي وخارجي، حضانة وطنية ومسيحية، و «بروفيل» مقرّب من اللبنانيين.. العقدة فقط تكمن في التفاصيل والتوقيت.

في اليوم الأول على شغور قصر بعبدا، لم يُلغِ الفريق المؤيّد لـ «البيك» من حساباته أن يتمّ التوافق على فرنجية رئيسا بعد استنفاد «فرصة» ميشال عون.

في تلك المرحلة، كان الرهان الاساسي على الوقت وليس على الظرف السياسي الذي لم يكن مؤاتيا لخيار حاد من هذا النوع: كلّما طال الشغور كلّما ازدادت فرص نجل الشهيد طوني فرنجية في التربّع على كرسيّ الرئاسة الاولى. أصغر القادة الموارنة الاربعة يحقّ له ما يحقّ لغيره..

سليمان فرنجية نائباً للمرّة الاولى في السادسة والعشرين من عمره، ثم وزيراً للمرّة الاولى في السابعة والعشرين، يحتمل أيضا أن يصبح رئيسا للجمهورية في الخمسين. وفي هذه الحالة يكون أصغر رؤساء الجمهورية منذ عهد الطائف. داخل «تيار المردة» لم يحجز الإحباط مكانا له بعد ترنّح التسوية التي كادت تحمل «البيك» من قصر العائلة الى قصر كل اللبنانيين. هي ليست انتخابات رئاسة بلدية. الوقت كفيل بتذليل العقد، خصوصا إذا كان العنوان الأكبر هو التسوية، يطرحها السيد حسن نصرالله من الضاحية ويلاقيها سعد الحريري من الرياض.

في مرحلة الترقّب والانتظار يفلش مؤيّدو وصول «البيك» الى قصر بعبدا أوراقهم بكل شفافية. ما كان صعبا الحديث عنه في بدايات تدحرج كرة المبادرة الرئاسية، صار ممكنا في مرحلة الفرملة والتروي وإعادة الحسابات:

بين فرنجية المرشح التقليدي من ضمن نادي «الاقوياء» وفرنجية «الفرصة»، ثمّة نقلة نوعية فرضها تطوّر المعطيات وتقاطعها بين الداخل والخارج. رئيس «تيار المردة» المتصالح لتوّه مع محيطه بعد كسر جبال الجليد والعداوة مع آل الحريري، وصاحب الابواب المفتوحة مع الجميع من دون استثناء، يملك اليوم تأييدا سياسيا واسعا وغير مشكوك فيه، وهو المرشّح الأكثر جدّية والمتقدّم وطنيا على الموارنة الثلاثة، أما مسيحيا فتتراوح مرتبته بين اول وثان وثالث. يمكن لاستطلاعات الرأي أن تؤكّد هذ الواقع، كما عملية البوانتاج.

لا يتحدّث مؤيّدو فرنجية بأقل من هذا المنطق وهذه الوقائع. يجزمون أيضا بأن هذا الترشيح، المدعوم داخليا وخارجيا، أسقط منطق القطبية الثنائية الذي لا يقاس فقط بعدد النواب والمكاتب الحزبية.. ستعود هنا الذاكرة الى قرار سليمان فرنجية الشخصي والسياسي بعدم التمدّد في جبل لبنان «ليس لأننا فشلنا أو لأننا لم نكن مقبولين شعبيا، لكن مسايرة واستيعابا للانزعاج العوني من هذا التمدّد. كان قرار فرنجية واضحا. خطّه السياسي لا يسمح له بالصدام مع أي من الحلفاء حماية للخط الاستراتيجي الذي يقدّمه على ما عداه».

أما إذا كانت المعايرة على أساس عدد النواب فردّ مؤيدي فرنجية حاضر. صحيح ان لسليمان فرنجية ثلاثة نواب فقط، لكنه حصّلهم بـ «عرق جبين» تمثيله المسيحي الصرف. نال فرنجية نفسه أكثر من 56% من أصوات المسيحيين وسط «بلوك» سني صبّ بنسبة أكثر من 65% لمصلحة اللائحة المنافسة. بالمقابل، نظرة بسيطة الى «عيّنات» من نواب «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» تظهر أن نسبة منهم دخلت الندوة البرلمانية بزنود الحليف!

والصمت السائد حول مبادرة رئاسية قُزّمت لاحقا الى «اقتراح» ثم «فكرة»، يسمح لمؤيّدي فرنجية ان يضعوا النقاط على بعض حروف الترشيح الذي لا يزال «جدّيا» برأيهم: بعد نحو شهر من طرح معادلة الحريري – فرنجية على بساط البحث، يشعر «البيك» بفائض من الاكتفاء المعنوي لمجرّد أنه قد يكون خشبة الخلاص بعد الشغور الطويل. لم يكن الكرسيّ يوما هاجسه، والدليل أنه لم يسعَ للتسويق لاسمه لا في الخارج ولا في الداخل، ولم يعوّم تفاهمات سياسية هدفها الرئاسة.

في مفاوضات تأليف الحكومات، كان الأكثر ايجابية: «اعطوني ما يتبقى من حقائب». وفي قبوله لترشيح من هذا النوع يستمر في «خطّه» المبدئي في عدم التلوّن او استجداء منصب. من موقعه يلاقي الطرف الآخر ويبدي استعداده لتجيير صداقاته لخدمة البلد. لا التزامات من دون التنسيق المسبق مع الحلفاء. تعاطى بكل رقيّ مع الحملة الاعلامية التشويهية التي تعرّض لها، وأوساطه لا تزال تمتنع عن الادلاء بأي مواقف بشأن الملف الرئاسي. لم يَرَ نفسه في موقع المضطّر الى الردّ على الافتراءات إلا ببيانات ومواقف محدودة. رصيده السياسي كان وحده كفيلا بإسكات جوقة «التشهير» بحق ابن «8 آذار» قبل أن يكون هناك حتّى «8 آذار»!

سبق لفرنجية ان أكّد استمراره بترشيح ميشال عون «ومنح المزيد من الوقت إذا كان هناك نية فعلية بالتوافق مع عون»، فهل من مهلة محدّدة تنتهي معها «فترة السماح»؟ يجيب مؤيدو فرنجية: «التمسّك بترشيح الجنرال مرتبط بقدرة صمود الساحة الداخلية على تحمّل عبء الفراغ. هناك أزمات تتوالد تباعا والنظام يتحلّل، وبالمقابل هناك حلّ يطرق الابواب. فإلى أي مدى يمكن لبعض الاعتبارات ان توقف مشروع إنقاذ دولة وشعب؟».