IMLebanon

«ابن الدولة»: أتى وقت الحساب مع «الحرام»!

عندما يقرّر الرئيس نبيه بري فتح ثغرة في جدار الأزمة المفتوحة على شارع غاضب وعصيان قد يشلّ المؤسّسات من الداخل، يذكّر ميشال عون بأنه «ابن هذا النظام ولن يفرّط به».

في الشكل، تبدو رسالة بري ايجابية كمن يناشد الحليف المتمرّد لجم انفعالاته وممارسة الكثير من ضبط النفس. لكن في المضمون كلام بري ليس سوى إدانة لـ»الجنرال». يكفي ان ميشال عون، برأي بعض من قرأوا الرسالة بين سطورها، انه ابن نظام تمّ تحت جناحيه تعيينه رئيسا لحكومة عسكرية العام 1986 بتوقيع رئيس جمهورية منتخب من قبل مجلس نواب مُدّد له مرارا!

هو ايضا، أي عون، من وافق على تأجيل تسريح رئيس الاركان محمود طي ابو ضرغم لاربع سنوات العام 1986 في عهد الرئيس امين الجميل، ومن أبقى على شرعية حكومة عسكرية ترأسها بعد استقالة الاعضاء المسلمين الثلاثة منها، ومن انقلب على الطائف ودفع ثمنه نفيا ثم انخرط بأصول اللعبة التي أرساها الاتفاق منذ 1989… بعض «الخبثاء» يقولون «ألم يدشّن ميشال عون التمديد بنفسه في المؤسّسة العسكرية حين ضغط للتمديد لقائد فوج المغاوير في موقعه خلافا للمتعارف عليه؟!».

هذه المقاربة تبدو في واد فيما ميشال عون في واد آخر طالما انه يعتبر نفسه المسيحي القوي الذي يحمل مشروعا تغييريا يخوض اليوم آخر معاركه، ولأن هذه المقاربة الخاطئة اصلا تنتمي الى عهد ما قبل الطائف!

في اعترافاته للصحافي فريدريك دومون صيف 2006 بعد توقيع ورقة التفاهم مع «حزب الله» وانتهاء حرب تموز، والتي وردت ضمن كتاب «رؤيتي للبنان»، سأل الاخير عون «هل الحياة المشتركة ممكنة؟»، أجاب عون «نحن نصبو ليس فقط لان نحيا معا، بل وأولا لان ننمو سوية، كما يتعين علينا في البدء تحديد طرق الحياة المشتركة وقواعدها والاحترام الحقيقي للخصوصيات».

اضاف عون «كان والدي مسالما متسامحا مع الذين يدين لهم بشيء ومحقا الى ابعد الحدود عندما يدين هو بشيء للاخرين. وركزت والدتي في تربيتها على مبادئ الحشمة على انها فضيلة، ما يعني حرفيا باللغة العربية: العيب والحرام. الحرام كان يعني احترام الاخر وعدم التعدّي على حقوقه، فيما العيب كان كل ما يمكن ان يمسّ سمعتنا الجيدة».

ثم سأل دومون عون مجدّدا «علام ترتكز الجمهورية الثالثة التي تدعون اليها؟»، اجاب «ترتكز على اعادة توازن بين السلطات واعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، لان النظام الحالي ليس فقط مجمّدا بل هو ازاء حائط مسدود. تزول الديموقراطية يوم تتحكّم بها وتسيّرها مجموعة سياسية اصبحت اكثرية سياسية على صورة ومثال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي»!.

بين 2006 ولحظة المواجهة الصعبة ضد «الجميع» لم يتغيّر ميشال عون كثيرا. بين المحطتّين مرّت أحداث كثيرة كان أهمّها تقاربه المعلن مع الرئيس سعد الحريري و «مشروع» كسر الحواجر مع السعودية الذي جاء فوق تراكمات هائلة من الخصومة الحادة مع الحريرية السياسية.

حصل ذلك بعد مواجهة ضارية في السياسة والشارع لمنع حكومة فؤاد السنيورة من الاستئثار بالسلطة واحتكار صلاحيات رئيس الجمهورية، وقبل فتح النيران على حكومة تمام سلام المكلّفة إدارة «أملاك» جمهورية بلا رأس.

ابن الدولة، وليس النظام (وإن أتى من يذكّره بأن الدولة هي النظام والشعب والمؤسسات)، يخسر الورقة تلو الاخرى.. لكنه ماض في مواجهة لم تستفزّ حتى الساعة اي مرجعية دولية لتجنّد موفدين عنها يتولّون تقليص مسافات التباعد الضوئية بين المتخاصمين.

مفارقة لافتة فعلا البرودة التي تتعاطى فيها عواصم العالم مع التطوّرات الحكومية والسياسية المتسارعة. وطالما أن الاميركيين والروس والاوروبيين والسعوديين والايرانيين لم يتحرّكوا فكان على السفير البريطاني في لبنان توم فليتشر ان يغرّد على «تويتر» قائلا «410 أيام هي أطول فترة فراغ رئاسي تاريخياً في لبنان، وهذا ما يناسب بعض القادة ويؤذي الشعب اللبناني»!

لم تبدأ القصة فقط من التمديد الذي فوتح به ميشال عون باكرا جدا (اقرار قانون رفع سن التقاعد لبعض الضباط) قبل ان يحين أوان نهاية ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي في ايلول العام 2013، ولا في تأجيل التسريح غير المبرّر لمدير المخابرات قبل سنتين فيما لا يحتاج القرار سوى لمعاملة إدارية بسيطة يوقّعها وزير الدفاع باقتراح من قائد الجيش فيصير للمؤسسة العسكرية مديرا جديدا للمخابرات يؤمّن أقله التداول الطبيعي في المواقع القيادية، ولا في ابقاء ضباط في مواقعهم خلافا للقانون، ولا فقط في التمديد مرتين لمجلس النواب… بل في ما يراه عون «أزمة حكم متمادية منذ العام 1990 عبر فقدان المشاركة والتوازن بين مختلف المكوّنات فكان ان دفع المسيحيون الثمن، مع أنهم العنوان الاكبر للاستقرار وللاعتدال».

لا يخوض ميشال عون المواجهة وحده. بلغة الشارع لا أحد معه باستثناء «حزب الله» فعلا، لكن مع خطّين أحمرين:

الأول، «لا لإسقاط الحكومة»، وهو الامر الذي تركّز عليه قيادات الحزب في كل مرة تؤكد وقوفها الى جانب «الجنرال» في مطالبه وأهمّها عدم المسّ بالآلية الحكومية.

والثاني، القرار المحسوم بعدم مؤازرة البرتقاليين في الشارع مهما كان شكل التحرّك.

وبالتالي فإن مشهد 23 كانون الثاني 2007 الذي كشف تمدّد مؤيّدي الحزب (من أصحاب الاختصاص في حرق الدواليب وإقامة السواتر وبثّ الفوضى…) في المناطق المسيحية دعما لتحركات انصار «التيار الوطني الحر» الاحتجاجية، لن يتكرّر. الفارق ايضا سيكون في عدم نزول «القواتيين» الى الشارع لصدّ العونيين كما حصل قبل ثماني سنوات!

وعلى هامش هذا الصراع ثمّة من يريد ان يحرج ميشال عون ليضعه في مواجهة مباشرة، ليس فقط مع المزارعين الفقراء، بل ايضا مع ضباط المؤسّسة العسكرية حيث استشمّت الرابية رائحة «مؤامرة» حين تأخّر توقيع مرسوم ترقية الضباط الى اللحظة الاخيرة.

فمرسوم ترقية الضباط، الذي كان يفترض ان يصدر في الاول من تموز (كان بالامكان إقراره قبل ذلك بكثير) والذي لا يحتاج إقراره الى مجلس الوزراء بل يتمّ توقيعه من قبل الوزير المختص (وزير الدفاع او وزير الداخلية) ووزير المالية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، مجمّد حتى الساعة بسبب اعتراض وزراء «التكتل» على انتهاك الآلية الحكومية وإصرارهم على بتّ التعيينات قبل توقيع اي مرسوم آخر.

ومعلوم انه في وزارة الداخلية يقيّد الضباط (امن عام، قوى امن داخلي) بموجب مرسوم قيد يصدر في شهر 12 من كل عام، وقد صدر هذا المرسوم فعلا قبل ستة أشهر حاصدا كافة التواقيع بما في ذلك توقيع الـ24 وزيرا نيابة عن رئيس الجمهورية، ولا يحتاج اليوم سوى الى إصدار مرسوم الترقية فيما لم يعرف حتى الساعة الالية الحكومية التي ستعتمد لتوقيعه، أو إذا كان سيصدر بمعزل عن وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» و «حزب الله»، مع العلم ان اوساط عون تؤكد ان كل الامور مرهونة بتطوّرات الجلسة الحكومية اليوم.

أما في وزارة الدفاع فإن قيد الضباط (الجيش) يتمّ بموجب قرار وزاري يوقعه وزير الدفاع في شهر 12 ايضا من كل عام ويحتاج الان الى إصدار مرسوم ترقية ممهورا بتواقيع الوزراء نيابة عن رئيس الجمهورية. وحتى يوم أمس كانت المحاولات لا تزال قائمة لاصدار المرسوم.