بالمبدأ، سيكون الوضع في الأول من كانون الثاني من العام 2021 على الشكل الآتي: لا فيول، لا موازنة عامة، لا دولار مدعوم، ولا سوناطراك… وبالتالي لا كهرباء. ستكون العتمة الشاملة.
في الواقع، تنتهي صلاحية العقد الموقع مع شركة سوناطراك نهاية العام الحالي، وقد تعاطت حكومة تصريف الأعمال مع العقد حين طرحت اشكالية الفيول المغشوش، وكأنّها مستعجلة للتخلص منه بعد “اكتشاف” أنّ الطرف الثاني الموقّع لا يمثل الدولة الجزائرية وتحديداً الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات سوناطراك، كما يفترض أن يكون، وإنّما هو عبارة عن شركة تجارية خاصة مسجّلة في الجزر البريطانية العذراء وهي المعروفة بكونها ملاذاً ضريبياً، مع العلم أنّه من المفترض أنّه عقد مبرم من دولة إلى دولة منذ العام 2005.
المهم، أنّ الشركة ستكون بعد أقل من شهرين معفية من تأمين الفيول إلى مؤسسة كهرباء لبنان، فيما ينتظر أن تنهي وزارة الطاقة إعداد دفتر شروط يمهد لاجراء مناقصة عالمية لتأمين عقد مع طرف بديل لتأمين الفيول. لكن السؤال الذي يفرض نفسه قبل الغوص في تفاصيل دفتر الشروط: ماذا ستفعل الحكومة اللبنانية فيما لو صدق حاكم مصرف لبنان في تحذيراته وأقفل “حنفية” الدولار المدعوم بحجة عدم توفّره؟ كيف ستستطيع الحكومة اقناع أي شركة محلية أو عالمية بتأمين الفيول لدولة مفلسة؟ وكيف ستدفع قيمته؟ من أين ستأتي بالدولارات؟ وهل بمقدور الطبقات الفقيرة والمتوسطة تحمّل الكلفة في حال رفع التعرفة؟ حتى الآن، يواظب وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر على القيام بالمهمة الموكلة اليه من خلال تحضير دفتر الشروط. وفق المعلومات، فإنّ الدفتر أرسل منذ أكثر من شهر بصيغته الأولية إلى هيئة ادارة المناقصات التي انكبت على دراسته وتسجيل الملاحظات عليه قبل ارساله من جديد الى وزارة الطاقة.
وقد تبيّن أنّ هيئة ادارة المناقصات قد سجّلت العديد من الملاحظات على الدفتر المرفوع اليها، ومنها ما يتصل على سبيل المثال، بحجم الشركات التي يمكنها التقدم الى المناقصة حيث فرض الدفتر رقماً مبالغاً فيه من الأعمال المفترض على الشركة أن تكون أنجزتها، ما يقطع الطريق على الشركات المحلية وبمدة العقد (ستة أشهر فقط)، فيما علم أنّ الدفتر ينص على تكليف الاستشاري العالمي Fitchner لتصنيف المتعهدين. يذكر أنّ الشركة الألمانية المذكورة هي نفسها من استعانت بها الوزيرة السابقة ندى البستاني لإجراء دراسة للمنطقة الممتدة بين حنوش وسلعاتا، لتحديد أفضل موقع لانشاء معمل سلعاتا! ومع ذلك، فإنّ الاشكالية الأعقد لا تكمن في دفتر الشروط ولا في المناقصة، وانما في كيفية تأمين الاعتماد لأي شركة فائزة، طالما أنّ حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع وضع موازنة العام 2021، وعلى اعتبار أنّ عقد سوناطراك كان يمول عن طريق سلفة الخزينة التي تحول الى مؤسسة كهرباء لبنان. ولما ستختلف طبيعة العقد، فقد تكون موافقة مجلس الوزراء مطلوبة أصلاً للسير بهذه المناقصة وتأمين الاعتماد لها.
وبالتالي إن احتمال اقرار آلية قانونية بديلة عن العقد الموقع مع سوناطراك، يبدو مستحيلاً خلال الفترة القليلة المقبلة، الا اذا كان المطلوب وضع دفتر شروط واجراء مناقصة ليترك أمر تنفيذها للحكومة المقبلة. أما الاحتمال الثاني فهو اعادة التفاوض من جديد مع دولة الجزائر لاعادة تعويم العقد ولو على نحو موقت، أو الاتفاق مع شركات محلية عن طريق التراضي لتأمين الفيول لفترة انتقالية بعد أن يكون عقد سوناطراك قد استنفد مقوماته. لكن الخشية من أن يصير الموقت دائماً!