IMLebanon

عذراً يا سيِّد المقاومة

يتميّز سيّد المقاومة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بالبلاغة و”الكاريزما” والشجاعة والذكاء وسرعة البديهة والاطلاع ومراجعة مراحل مسيرته ورفاقه في صورة مستمرة. كما يتميّز بقدرته على توصيف الأزمات في لبنان وعلى إعطاء عناوين الحلول الناجعة لها من دون تفاصيل، وأحياناً مع تفاصيل تتناسب مع استراتيجيا المحور الذي يتزعم محلياً والمحور الاقليمي الذي حزبه أكثر فاعلية فيه. وقد ظهر ذلك في خطابه لمناسبة الذكرى التاسعة لإفشال عدوان إسرائيل عليه وعلى لبنان عام 2006.

ولا أذيع سرّاً أو أرتكب جرماً إذا قلت في هذه المناسبة إن “حزب الله” محرّر الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي الطويل عام 2000، ومؤسس توازن الردع مع إسرائيل منذ حرب تموز 2006، هو وسام على صدر كل لبناني أو هكذا يجب أن يكون. ولا أذيع سرّاً أو أرتكب جرماً إذا قلت إن الاختلاف معه أمر مشروع وضروري حول سياسات داخلية، وحول تحوّله رأس حربة انطلاقاً من سوريا لمحور إقليمي مهم وقوي في مواجهة محور إقليمي آخر مهم بدوره. علماً أن لكل منهما ميزات تُقوّي وأخرى تُضعِف. انطلاقاً من ذلك أعتقد أن من حقي أن أعطي الرأي العام اللبناني وغير اللبناني رأيي كمواطن، بعيداً من الانتماءات التعصبية الطائفية والحزبية والسياسية، في بعض ما ورد في خطاب السيد نصرالله نظراً إلى أهمية نقاط كثيرة فيه. أولاً أقدّر كثيراً مواقف: كلنا شركاء في الخوف والغبن، والدولة العادلة والمطمئنة وغير المُميِّزة بين أبنائها هي الضمانة الحقيقية لكل اللبنانيين، وليست هناك طائفة قائدة في لبنان لأن ذلك مستحيل. وألفت إلى أن المسيحيين جربوا القيادة وفشلوا وأن السنّة جربوها وفشلوا، وأن الشيعة يجرِّبونها منذ أيام وصاية سوريا وحتى بعد انسحاب جيشها من لبنان. وكلام سيّد المقاومة عنها يعني أن التجربة لن تنجح، وأن استمرارها سيوقع لبنان في حرب مذهبية تدمِّره ولا سيما في ظل وجود مليون ونصف مليون نازح سوري وثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني. وأسأل: ألا يفترض بقائد هذه الطائفة أو بقائديها “الحزب” و”أمل” أن يطرحا مشروعهما للدولة الضمانة؟ وهل تقوم دولة تكرّس انقساماً طائفياً ومذهبياً أفقياً وعمودياً، بل هل تعيش؟ أليس من الأفضل دولة مواطن تحترم الأديان والمذاهب والمعتقدات؟ وأتمنى أن يطرح القائدان مشروعاً ينطلق من واقع تعدّدي تعصُّبي ليصل إلى واقع تعدّدي حضاري يساوي بين المواطنين. ثانياً أنا أعرف أن “حزب الله” لن يسمح بكسر العماد عون أو بهزيمته. لكن اللبنانيين يعرفون أن كلاً من الفريقين المتصارعين في لبنان بقيادة “الحزب” و”المستقبل” وبرعاية حلفائهما الاقليميين يعمل بكل قوة لكسر الآخر. وثالثاً لا أحد يجهل أن العماد عون ممرٌّ إلزامي لانتخابات الرئاسة ولإحياء الحكومة المُعطَّلة اليوم. لكن لا أحد يجهل أيضاً أن “حزب الله” وحده أو ربما معه “أمل” الممرّ الأكثر الزامية للأمرين، كما أن “المستقبل” ممر إلزامي. فلماذا حصر هذه المسؤولية بعون وحده؟ علماً ان القرار النهائي، بسبب الأحجام وميزان القوى، ليس في يده أو ليس في يده إلا بعضه؟ ألا يتحاور “الحزب” مع “المستقبل”؟ فلماذا لا يخوضان في العمق في كل هذه القضايا؟ علماً أن مقولة عون الممر الإلزامي للرئاسة تقصيه عنها. وعلماً أن سيّد المقاومة ألمح لعون ولأخصامه، وإن في معرض تأكيد “الحماية” من الكسر، أنه ليس مستعجلاً على الشارع، واقترح عليه كما على مسيحيين آخرين وقف تعطيل مجلس النواب. والسبب غضب الشوارع كلها والعسكر إذا توقفت الرواتب على “الحزب” وعون و”المستقبل”. ورابعاً لا أحد يستطيع أن يبرّئ أميركا وكل دولة عظمى وكبرى من مشروع التقسيم الذي حصره السيّد نصرالله بالأولى. ذلك أن مصالحها هي التي تملي سياساتها واستراتيجياتها وليس الحرص على العالم. لكن هنا ألفت إلى أن مسؤولية التقسيم تقع أيضاً على عاتق جهات إقليمية. أليست الأقليات التي تريد أن تستمر في حكم غالبية في دولها تدفعها إلى التقسيم؟ أوليست الغالبية التي تريد ان تتحكم بالاقلية في بلدها تدفعها إلى العمل للتقسيم؟ ورابعاً وأخيراً إن عدم نجاح حكومة العبادي في العراق في تحرير الأنبار والموصل من “داعش” ليس سببه عدم وفاء أميركا بالتزاماتها التسليحية وبحملاتها الجوية، بل سببه رغبة الغالبية الشيعية المؤيدة لإيران في السيطرة عليها، وفي مساندة أميركا لضرب “داعش” تمهيداً لعودة سيطرة الغالبية في العراق وإيران على معظمه. ومن شأن ذلك أيضاً التأثير على الحكم الذاتي للأكراد.