IMLebanon

أمهات SOS… الحياة في المؤسسة ما عادت تُطاق

 

 

لهذه الأسباب طُردنَ من قرية قصرنبا

 

 

قبل فترة فتحنا ملف قرى SOS في لبنان وتحديداً بسبب إقفال قريتين (حتى اليوم) من أربع. ومنذ ذاك الحين وصلتنا عشرات الرسائل من أمهات القرى وأولادها جعلتنا نشعر وكأننا في مغارة علي بابا. فهل يتحوّل كل ما هو جميل في لبنان إلى مغارة؟ لأننا نثق بقوّة الرسالة التي تحملها القرى التي كبرنا ونحن نسمع عنها وعن الصغير فادي «الذي ما سقط» بفضل SOS التي حمته بحبٍّ كبير ورعته بأمان، سننشر كل ما وصلنا من أمهات على أن نستتبع ذلك بما أراد أولاد القرى إيصاله إلى من يهمه الأمر. قرى SOS تحت المجهر.

 

أنا أمّ من SOS. هذا ما أرسلته لنا ماما ريم ثم ماما حمدة ثم ماما خديجة ثم ماما بشرى… نحن أمهات ليس بالرحم بل بقرارٍ ذاتي لأطفالٍ قررنا أن نمنحهم الحبّ والرعاية. إتصلنا بأطباء نفسيين تابعوا الحياة في القرى قبل الإصغاء الى الأمهات للتأكد مما حصل (ويحصل). إنهم أطفال لبنانيون يتامى او مهملون. أما مركز المؤسسة في الخنشارة فيضم ستين طفلا سورياً. ماذا عن مشاكل الأطفال اللبنانيين في القرى؟ أوّل قرية في بحرصاف لا تزال مفتوحة تعمل. وقرية قصرنبا في البقاع تعمل ايضاً. لكن، قرية كفرحي في البترون أقفلت وقبلها قرية صفاريه في الجنوب. هناك أكثر من سبعين موظفاً في الإدارة العامة. أما في كل قرية فهناك ما بين ستة وثمانية موظفين- أمهات بالإضافة الى مدير لكل قرية.

 

فلنتكلم عن قرية كسربانا. هناك بقي الأطفال نحو ثمانية أشهر من دون إختصاصي (أو إختصاصية) في علم النفس. المتابعة النفسية ضرورية خصوصاً في ظروف الأطفال وحتى الأمهات المولجات العناية بأطفال. فهل يجوز أن تربي أمهات محطمات الأطفال ويتحملنَ كامل مسؤولية أطفال بينهم حالات خاصة جدا؟ تحملت امهات القرية مسؤولية كبيرة قبل أن تعمد الإدارة الجديدة الى طرد خمس منهن خلال ستة أشهر. هؤلاء مضى عليهن أكثر من عشرة أعوام يعتنين بأطفال المؤسسة. حمّلت الإدارة المسؤولية الى الأمهات بفظائع حدثت في القرى. أعمال ضرب بين الطلاب وتشطيب وبعثرة محتويات وإيذاء. فهل كانت الأمهات كبش محرقة أم أن هدف المؤسسة كان التخلص من المعاشات التقاعدية التي يفترض ان تأخذها الأمهات طوال حياتهنّ بعد أن يكملن نذورهن في العناية بالأطفال؟ هل تعسفت الإدارة في ما فعلته؟ وهل الكلام عن تقصير جريمة؟

 

 

الفصل

 

واحدة من الأمهات، وتدعى ماما وصال، كان قد مضى على عملها 23 عاماً «قلّعت» وانتقلت لتعيش في سوريا. أما ماما بشرى وماما حمدة وماما ريم وماما ندى ففصلوهنّ إستناداً الى أخبار قيل إنها مفبركة. قالوا إن الخلل فيهنّ. لكن، حين تترك أمّ تعمل عشرين عاماً وأكثر في مؤسسة ويقال أنها مسؤولة عن تدهور مؤسسة وحياة أطفال باتوا «صايعين» تكون المؤسسة مسؤولة. قالوا إن هؤلاء الأمهات مسؤولات فلنسمع بعضهن.

 

ماذا فعلتِ ماما حمدة لتستحقي الفصل؟

 

اليوم، مضى على فصلها سنة كاملة. هي أرّخت التاريخ وتحسب نهاية عمرها من تاريخ الفصل. كانت «تانت» طوال ثمانية اعوام قبل أن تصبح أماً في قرية كسرنابا البقاعية. أصلها من أبلح، البلدة المجاورة. ومهمة «التانت» في القرية التعامل مع كل الأولاد بغياب أمهاتهن- المربيات. وحين أصبحت أماً ربّت خمسة أطفال هم: ملاك (9 سنوات) وفرح (7 سنوات) ويولا (ثماني سنوات) وسيلين (ثلاث سنوات) ولارا إستلمتها رضيعة بعمر إثني عشر يوماً. واعتنت بطفل هو اليوم شاب إسمه سلام.

 

ماذا حصل معها؟ تجيب: «منذ أن «فللوا» مدير القرية الذي كان يحب الأولاد ويعودون إليه عند كل كبيرة أو صغيرة تضعضع الأولاد في كل القرية. وذات يوم حصل تحطيم للأثاث وهجمت طفلة إسمها منى سنجار وبيدها سكين وبدأ أطفالها يصرخون ويبكون. تشكلت عصابة قوامها منى وزياد وعدنان وجاد فأقفلت بيتي عليّ وعلى اطفالي وما عدت أجرؤ حتى على فتح الستائر. راجعت الإدارة. قلت لهم: أطفالي كلما خرجنَ من البيت يضربنَ. بناتي كنّ يتألمنَ. ملاك عانيت معها الكثير بعدما تركتها امها الأصلية وتزوجت. وفرح تعرضت الى تحرش وأصيبت بازرقاق. حصل كل ذلك في وقتٍ كانت الإدارة توصيني ممنوع أن أقول لا لبناتي. أنت خدامة لديهن. العبارة قهرتني. أنا اربيهنّ على انني أمهن لا خادمة لديهن. راجعت رئيس حماية الطفل الأب الياس من زحلة. راجعت المشرف التربوي رضوان. حصل كل ذلك في وقتٍ لم يسأل عنا أحد من الإدارة. حرضوا بناتي عليّ. قالوا لي: ممنوع الصراخ عليهن. بعد مغادرة المدير سلمان الديراني أرسلوا اطفالا الى الأحداث. طفلتي لارا أصيبت بنزيف في عينها فلم يبالوا فأخذتها بنفسي الى الطبيب بيار بو رجيلي في زحلة. لكنهم لاحقا قرروا أن يغيروا الطبيب».

 

ماذا حصل لاحقاً؟ لماذا تمت إقالتك؟ تجيب: «قالوا إنني ضربتً ملاك وشديت إبنتي سيلين بشعرها. أخرجوني من القرية بلا أغراضي. كان الحمل علينا ثقيلاً جداً. ضاعت القرية في حين ان كل من رباهم سلمان (المدير السابق) حلوا في أعلى المراكز. أكثر عبارة قهرت امهات SOS وصفهن بأنهن خدامات لدى الأطفال ومهمتهن تنتهي عند تغيير الحفاضات.

 

قرار الفصل يأتي من SOS الأردن إستنادا الى تقرير SOS لبنان. تقول ماما حمدة: «أنا لم أعد أريد شيئا لي كل ما يحز في قلبي أن الأطفال يتحولون الى مجرمين.

 

إستهداف

 

فلنقصد ماما ريم. ماذا عنها؟ تجيب: «عملت طوال 18 عاما ونصف في قرية قصرنبا. ربيت 22 طفلاً، وفتحت بيتي بثمانية أطفال، ويوم غادرت كان معي أربعة. يوم أبعد مدير القرية سلمان الديراني بقينا سبعة أشهر بلا مدير أو نائب مدير. تأزم الوضع كثيراً. بعدها أتوا بنائبة مدير تدعى سماح دياب. بدا أنها أتت لتأديبنا نحن. كان دورها كتابة تقارير. كانت هناك أمهات مطلوب طردهن. لم تلتق بنا. واستمرّينا، بعد تعيينها، أكثر من شهرين بلا إجتماع. لم تتعرف عن كثب على الأمهات. طالبنا نحن أن نتعرف عليها وأن تستمع الى مشاكل بيوتنا لكنها لم تفعل. تواجهت لاحقاً مع سماح فاستاءت مني. وذات يوم سألتُ عن سبب تأخر عودة واحدة من بناتي وتدعى حنان فعلمتُ أنها عند سماح. طلبتها من دون أن تسألني أنا امها. ذهبتُ ودخلت الى الغرفة حيث هي وجلست. تفاجأت سماح وكانت معها المساعدة الإجتماعية جنان الطفيلي. فقالت لي سماح: نحن في إجتماع. أجبتها: لكنني لم أتبلغ. قلتُ لها: أنا والدة حنان وكان يفترض أن أتبلغ. من حقي ان اعرف أين إبنتي. حصل تلاسن بيننا…».

 

أخبار كثيرة توردها الأمهات عن القرية التي يفترض أن تكون مثالية لأطفالٍ عانوا باكراً ويحتاجون الى عناية فائقة.

 

نتابع الإصغاء الى ماما ريم: «وضعوا نقطة سوداء عليّ. وأتاني إنذار في حزيران عام 2022 من الإدارة في بيروت، قالوا فيه: أنني خرجت ذات يوم من القرية بلا إذن. أنا خرجت بالفعل لشراء دواء لابني هادي. لم اوقع الإنذار. وفي 12 أيلول تمّ إستبعادي من القرية. أخذوا اولادي ووضعوهم في عهدة ماما هنود. بكوا كثيراً من أجل أن يعودوا إليّ. صاروا يصرخون: بدنا الماما. بقيتُ شهراً في القرية بعدها من 12 أيلول حتى 12 تشرين. أرادوا الإستيلاء على تعويضي لكني عينت محامية فجاء ردهم: ليش إنتِ إلك تعويض؟ خرجت بأجري الشهري عن أيلول وقدره مليون و700 ألف ليرة. عدتُ اليوم اعيش مع اهلي. الأولاد يتصلون بي دائما. إدارة القرى لديها مخطط وهو تخفيف عدد الأمهات لذا حصلت فبركات في حقنا.

 

تغيّرت القرية كثيراً

 

ماذا عن ماما خديجة التي كانت الأم المثالية (برأيي الأمهات الأخريات) في القرية؟

 

طرحنا عليها هذا السؤال فأجابت، بخفر أم: «لا أعرف. كنت أعمل بضمير. شعرت أن الأطفال أولادي بالفعل. دخلت الى SOS عام 2007 واستمريت 14 عاماً. تعلّقتُ كثيراً بالأطفال خصوصا بطفلين أتوا بهما بعمر ثلاثة أشهر وأربعة أشهر».

 

ما حدث مع خديجة «أنه حصلت في الفترة الأخيرة ضغوطات كثيرة ولم يعد الأطفال يصغون الى كلام امهاتهم. أصبح وجود الأم سطحي، من أجل الطهي والتنظيف، فقدمت إستقالتي. أنا بطبعي لا أستطيع أن أعمل لمجرد العمل. واجهت ضغطا نفسياً هائلاً. وضع القرية «تكركب» بالكامل. شعرتُ بالتعب. مرضت. ذهبتُ الى أطباء كثيرين لكن التوتر بدا مشكلتي الوحيدة وأنا ارى أن ما رسمته عن أطفالي بخيالي أصبح مستحيلاً. كان صعباً عليّ رؤية ما سيؤول إليه مصير كثير من الأطفال الذين عملنا على انتشالهم من مصير كان محتماً. فهل ننتشلهم ثم نرميهم؟ أطفالي كانوا من المميزين. أحدهم شارك سابقاً في حساب ذهني وحلّ بين الأوائل. كنت أجلس معهم بعد عودتهم من المدرسة يومياً، لإنجاز الدروس، حتى الحادية عشرة ليلا».

 

ربّت خديجة ثمانية أطفال وتقول: أول طفلين إستلمتهما كانا هشام وحسن رباح ثم أتت غزل الميس (4 أشهر) ثم نيلي (7 سنوات) ثم ثلاثة إخوة وأخوات من الهرمل من بيت علوّ ثم فضل (إستلمته بعمر 3 أشهر وأصبح اليوم بعمر تسع سنوات) من الهرمل. هل تتكلّم اليوم معهم؟ تجيب: البارحة تكلمنا وقلت لهم: لا تعذبوا امكم الجديدة وركّزوا على دراستكم. عرفت أن إبنتي غزل لم تكن تداوم يومياً في المدرسة. أنّبتها. وأخبرتها أن لا شيء سيبقى لها إلا ما تتعلمه. إبني حسن يقول لي: أنت أمي الوحيدة وسأرفع رأسك. وتستطرد: تغيرت القرية كثيراً ولم تعد المكان الذي عملت فيه بقلبي وكل كياني. كانت لدينا مونة على الأطفال. اليوم، تحت ستار الحرية، فلت أطفال SOS».

 

هي بعض حكاية SOS. وللقصّة تتمة.