Site icon IMLebanon

سعيد ينظّر للراعي… نكاية بميشال عون

 

بالسرعة نفسها التي تتبدّل فيها مواقف الكاردينال بشارة الراعي، تتأثر علاقته بالنائب السابق فارس سعيد. بعد محطات كثيرة من الخلاف السياسي والعتب والقطيعة، التقت مصالح الرجلين، المُتضررين من وصول ميشال عون إلى بعبدا ومن التسوية السياسية في البلد. علاقة جديدة برعاية المملكة العربية السعودية

معروف الدواليبي ــ السياسي السوري الراحل الذي استفاد منه الملك فيصل للعب دورٍ ضدّ سوريا ــ بنسخته اللبنانية، ليس إلا النائب السابق فارس سعيد، مع «المُرشد» الجديد ثامر السبهان. حتى ما قبل استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لم يكن عددٌ كبير من السياسيين في بيروت، يتعاملون بجدّية مع الأخبار الواردة بأنّ لسعيد والباحث رضوان السيّد دوراً في تنفيذ أجندة السعودية لبنانياً، وأنّ مُنسق الأمانة العامة لتجمع 14 آذار (سابقاً) ساهم في «الحفر» عميقاً للحريري حتى يقع، وتنتهي بالتالي مفاعيل التسوية الرئاسية، حتى لو أدّى ذلك إلى إحراق البلد، اقتصادياً وأمنياً.

 

ظهر الحديث عن علاقة سعيد بالسعودية، مع إطلاق «حركة المبادرة الوطنية». وبعدها، تحضير سعيد لزيارة الكاردينال بشارة الراعي للسعودية، وتنظيمه الوفد الإعلامي المرافق، بما يوحي كما لو أنّه هو المُخطط لها، علماً بأنّ سعيد سبق الراعي إلى الرياض بيوم، بعدما رفض بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق أن يُرافقه النائب السابق على الطائرة نفسها، حتى لا تظهر الصورة كأنّ سعيد هو «الراعي» الرسمي لـ«الزيارة التاريخية».

تصالح الراعي وسعيد بعد سنواتٍ من المدّ والجزر بينهما، بدأت منذ تسلّم البطريرك منصبه. فسيّد بكركي هو الرجل الذي زار سوريا بعد اندلاع «الثورة»، وشارك في القداس في دمشق في مناسبة تنصيب البطريرك يوحنا العاشر اليازجي، وأعلن أنّ «كلّ ما يُقال ويُطلب من أجل ما يُسمى إصلاحات وحقوق إنسان وديموقراطيات هذه كلها لا تساوي دم إنسان واحد بريء يراق». وهو نفسه أعلن من أمام قصر الإليزيه في باريس، عام 2011، أنّه «طالما هناك أراضٍ لبنانية محتلة فحزب الله سيستمر في القول إنّه يريد أن يحمل السلاح دفاعاً عن أرضه، فماذا نقول له حينذاك؟ ليس معك حق؟». في المرتين، وقبلهما وبعدهما، لم يتأخر سعيد في الهجوم على الراعي. هاجم زيارته لسوريا، لأنها «زيارة سياسية بامتياز.

مشهد الكنائس المشرقية الثلاث: الموارنة، الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس بمشهد رعوي تحت حماية أمن بشار الأسد وأمن النظام يسيء للجماعة المسيحية». سيعود سعيد بعد سنواتٍ لـ«يُبشّر» بالحج إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، ويُقنع الراعي بتبني هذا الخطاب، بلا اكتراث إلى أن هذا الخيار هو مطلب إسرائيلي يهدف إلى التطبيع.

كان النائب السابق، في جلساته، يُقارن بين بكركي الراعي وبكركي الكاردينال نصرالله صفير، راعي قرنة شهوان و«المعارضة المسيحية» في وجه الوصاية السورية. وبلغت المواجهة بين «14 آذار» والراعي حدّ القطيعة، لتعود الأمور وتُسوى من جديد. حتى إنّ سعيد وضع نفسه في موقع الحريص على ثوابت بكركي، حين لم تكن مواقفها تتلاءم مع أجندته، فاضطر إلى التوضيح أكثر من مرّة أنّ لقاء سيدة الجبل «لم يكن موجهاً ضد البطريرك الراعي على المستوى الشخصي، بل كان بهدف التصويب والتذكير بالثوابت التاريخية لبكركي، والأدبيات السياسية التي صدرت عن الكنيسة المارونية». ليست مواقف الراعي المتُقلبة وحدها التي كانت تُثير حفيظة سعيد، بل يُضاف إلى ذلك رهان الراعي على رباعي التيار الوطني الحر وحزب الكتائب وتيار المردة والقوات اللبنانية، واعتباره أنّهم يختصرون «الوجود المسيحي». كما أنّه في بداية العهد الجديد للكنيسة المارونية، مُنعت التصاريح السياسية من على درج بكركي، ورفض الراعي إلزامه بأي موقف. ولكن سعيد اليوم، يرى في بكركي «آرمة» عظيمة يحتمي بها للتسويق لمشروعه، ولكسب «شرعية» أكبر، كما يقول أحد أصدقاء «الدكتور».

حالياً، بعدما عزلت بكركي نفسها بنفسها عن المشهد الوطني، وضعف دورها، ولا سيّما بعد وصول «رئيس قوي يملك شرعية التمثيل المسيحي»، تلاقت مصالح الراعي وسعيد. في ما خصّ زيارة السعودية، يقول أحد الذين يحادثون سعيد بشكل شبه يومي إنّه «يوم زار الوزير ثامر السبهان لبنان لأول مرّة، دعا إلى العشاء في منزله عدداً من المطارنة الموارنة وسعيد، ومن هناك انطلقت فكرة فتح خطّ بين بكركي والسعودية». اقتنع الراعي والسعوديون بهذه الفكرة، «وتولّى سعيد قيادة هذا المحور، هو الذي كان دائماً يعتقد بضرورة أن تلعب بكركي دورها». يوم الاثنين، حصلت الزيارة «التاريخية» للراعي للمملكة الوهابية. تاريخية لدرجة أنّ جُلّ ما سيحفظه اللبنانيون عنها هو شائعة إخفاء الراعي لصليبه. وتاريخية ومهمة جداً، لدرجة أنّ الوفد الإعلامي المرافق مُنع من تغطية أي نشاط سياسي «جدّي» للبطريرك الذي طلب إذن لقاء الحريري من السعوديين.

من جهته، يقول سعيد إنّ الأمور «في هذه اللحظة لا تنحصر بسلاح حزب الله، أو إذا كان الحريري مُحتجزاً أو لا، بل هي لحظة الخيار». وكعادته، يلجأ إلى «نظرية» جديدة، يربط فيها الواقع اليومي بالمحطات التاريخية. فبرأيه، أنّه كما «اختار المسيحيون في العشرينيات دولة لبنان الكبير، وفي الـ 1943 الاستقلال، وفي الـ 1989 اتفاق الطائف، وفي الـ 2000 طالبوا بخروج الجيش السوري، اليوم هناك بطريرك يتكلم عن العيش المشترك والحوار الإسلامي ــ المسيحي، ويرفض تحالف الأقليات». هل تضمن أن لا ينقلب الراعي على مواقفه، كما حصل سابقاً؟ «هذا ليس تكتيكاً سياسياً، بل هو خيار».