عام 2013 وفي بوسطة صينية خلال رحلة خمس ساعات بين مدينة ومدينة، كان فارس سعيد في أوج تألقه الخطابي. وفد 14 آذار الذي زار بكين مؤلفاً من كلّ الأطياف الحزبية والمستقلّين، استمع لمحاضرة طويلة للمنسق العام باللغة العربية الفصحى. المحاضرة دامت ساعتين بلا انقطاع، تناول فيها سعيد وضع 14 آذار، محذِّراً من أنّ هذه القوى قد تدخل في طور الاحتضار إذا لم تتمسك بوضع الأولويات الوطنية، في أعلى سلّم الأولويات.
المحاضرة تناولت أيضاً الملف الرئاسي، والترشيحات. من هناك طالب سعيد القوى المسيحية في 14 آذار، بأن تأخذ التحدي الذي طرحه العماد ميشال عون بترشيح نفسه، وأن ترشح أحد الأقطاب للرئاسة «الدكتور جعجع أو الرئيس الجميل».
عاد الوفد من الصين، ووضعت الترشيحات على النار، فقرّر جعجع ترشيح نفسه للرئاسة. كان القرار «القواتي» متخَذاً منذ زمن طويل لكنّ التطورات أنضجته، ذلك على رغم العقبات داخل البيت الواحد.
لاحقاً تولّى سعيد العمل على ترشيح جعجع، لدى الكتائب المعترضة، فزار الرئيس أمين الجميل، وكان لقاء أثمر تصويتاً كتائبياً لجعجع، كذلك تولّى تسهيل اتخاذ الرئيس سعد الحريري في لقاء باريسي قراراً بدعم جعجع. في ذلك اللقاء قال سعيد للحريري «إنّ دعم جعجع يسدّ الثغرة التي حصلت بعد دخول تيار»المستقبل» منفرداً في الحكومة، ويعيد لحمة 14 آذار وتماسكها حول مرشح قوي».
لم يكن اللقاءُ مع الحريري حاراً، لكنه أدى الى إنتاج موقف جامع لقوى 14 آذار، فصوّت 48 نائباً لجعجع في الجلسة الاولى واليتيمة لانتخاب الرئيس، قوبلوا بتصويت نواب 8 آذار بأوراق بيضاء، وببعض الأوراق العونية السود، التي نُبشت فيها مقابر الحرب.
لم يكتفِ سعيد بما قام به، بل حرص على أن يكون في معراب وأن يكون معه أبناء آباء الاستقلال، (دوري شمعون وميشال الخوري)، في مشهدٍ يوحي بأهمية المرشح، وبوحدة 14 آذار خلف هذا الترشيح.
لعب سعيد دوراً رئيسياً قبل ولادة 14 آذار وبعدها، فكان الإطفائي غير المهووس. كلما نشبت الحرائق شمّر عن زنوده، حتى كاد أن يصبح رمزاً لجمعية الصليب الأحمر. من التحالف الرباعي الذي أيّده ودفع ثمنه، الى «السابع من أيار» و»اتفاق الدوحة» والـ»سين ـ سين»، والاختلاف في الخيارات والمقاربات، كان دائماً صلة الوصل، وراهن عليه كثيرون، الى درجة تحميله أكثر ممّا يتحمّل أو يستطيع.
كان يُتهم خصوصاً من الكتائب، أنه «فتى» الحريري وجعجع في 14 آذار، فإذا به اليوم تتهمه «القوات» ضمناً بأنه «فتى» الحريري، لكن ما لا يعرفه كثيرون أنّ علاقته بالحريري باتت اليوم على طريقة «هبّة باردة وهبّة سخنة»، خصوصاً بعد ترشيح الأخير لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.
هذا ما سيحوّل هذا «الفتى» لاحقاً «فتى» 14 آذار، خصوصاً بعد بيانه الأخير في ذكرى 14 آذار، الذي رأى فيه كثيرون مرثيّة محزنة، فيما كان هو يقصد فيه، أن يقول للحريري أولاً: «لا تضع الأولويات الإسلامية (الحوار الشيعي ـ السنّي) ولو بحكم الاضطرار، فوق الأولوية الوطنية»، ولجعجع ثانياً: «لا تضع الأولويات المسيحية، فوق الأولوية الوطنية، فليس من مصلحة المسيحيين أن ينكفئوا عن الشأن الوطني»، وللحريري وجعجع معاً: «إنّ الانتصارات الكبرى لقوى الاستقلال، لم تتحقق إلّا عندما اجتمع المسلمون والمسيحيون حول قضية الوطن الكبرى».
أما الرسالة الاهم التي أراد إيصالها، فهي من سعيد الى سعيد وهي تقول: «أصبح لزاماً قول الأمور كما هي والتوقف عن «الحكي الصيني»، فمن حقّ جمهور 14 آذار، أن نصارحه ونضع الإصبع على الجرح».
للمرة الأولى في الذكرى الـ 11 لثورة الاستقلال، يقف سعيد وحيداً، حتى من دون المجلس الوطني، الذي ذاب كالملح في الماء. بذل سعيد جهداً جباراً لإنشاء هذا المجلس لكنّ نزاع الخيارات الحزبية المتناقضة أحبط ولادته الجامعة.
تلقى ذات يوم وخلال الاجتماعات التحضيرية، كتاباً رسمياً من أحد أحزاب قوى 14 آذار، يرفض المشاركة في المجلس الوطني، فتوقفت الاجتماعات، واستقلّ المستقلون بمجلسهم، وانتخبوا رئيساً، لكنّ المجلس كان سريع الذوبان.
ربما في هذه النقطة يجدر بسعيد أن يسأل سعيد أيضاً عن سبب هذا الاختفاء السريع للمجلس الوطني الذي دُفنت فيه آمال المستقلين، وأزهرت على ضفاف قبره شماتة الأحزاب. هذا سؤالٌ جديرٌ أيضاً بأنْ لا يكون الجواب عنه مجرّد «حكي صيني».