IMLebanon

سعيْد: التحدّي الأكبر بعد التسوية بقاء المعارضة في إطار عابر للطوائف

سعيْد: التحدّي الأكبر بعد التسوية بقاء المعارضة في إطار عابر للطوائف

قراءة بين المرشّح والسياسي من تفاصيل الاعتراض إلى حدود المسؤولية في مآل 14 آذار

 

التسوية سلّمت «حزب الله» صكاً أخضر سيسجله في المجلس بعد 6 أيار

قطار الانتخابات النيابية انطلق أمس مع اقتراع المغتربين الذي يحصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بانتظار «اليوم الكبير» في السادس من أيّار المقبل. فالانتخابات تكتسب هذه المرة أهمية كبرى لكونها تأسيسية، على غرار ما كانت عليه أول انتخابات بعد «اتفاق الطائف»، وفق توصيف فارس سعيد منسّق الأمانة العامة لقوى «الرابع عشر من آذار»، المرشح عن دائرة كسروان – جبيل، معقل الموارنة، التي سلّمت بالأمس مفتاحها إلى أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله، في خطوة تحمل في طيّاتها الكثير من تحوّلات ضربت عمق المجتمع المسيحي الناظر إلى «حزب الله» على أنه «الضمانة»، وأنه كلما اقترب منه يكون اقترب أكثر من «الضمانة»، ذلك أن شريحة من المسيحيين تختزن هذه القناعة، وقد سلّمت الحزب «مفتاح البلد» على قاعدة تحالف الأقليات في وجه الغالبية السنية، غير أن اللعب على التناقضات الإسلامية – الإسلامية هو  سلوك قاتل، وأقصر طريق إلى مونتريال بالنسبة إلى المسيحيين، فيما الضمانة الوحيدة هي الدولة اللبنانية.

سعيد الذي وقف لنحو ساعتين أمام جمهور من منطقته فاق الألف، في رحاب بلاد جبيل، ليُجيب على أسئلة صحافيين من أصدقاء وخصوم له في السياسة، في حوار أطلق عليه اسم «حوار الجرأة»، وكان كذلك، قدّم مكاشفة عن محطات حسّاسة شهدها لبنان منذ العام 2005، لكن الأهم أنه رسم معالم المرحلة المقبلة. فكما كان دور «برلمان 1992» تشريع كل المعاهدات والقوانين التي آلت إلى إمساك النظام السوري بمفاصل الدولة في لبنان، فإن «برلمان 2018» ستكون وظيفته تشريع الأمر الواقع الذي سيفرضه «حزب الله».

يُلخّص المشهد السياسي الراهن على الشكل التالي: ثنائي وليد جنبلاط – نبيه بري يتطلع إلى الحريري ويراه يذهب بعيداً  بتفاهمه مع جبران باسيل، ويدعوه للعودة إلى «اتفاق كليمنصو». باسيل يُحاول التمايز بشكل محسوب عن «حزب الله»، ربما ينجح في تقديم أوراق اعتماه لدى دوائر القرار العربية والخارجية بشكل يؤهله لمعركة رئاسة الجمهورية. الحريري يحاول التقرّب من «التيار الوطني الحر» لعله يكسب ودّ «حزب الله» من دون أن يدفع ثمن التقارب مع «الحزب». «القوات اللبنانية» تحاول تعويض خسارتها الودّ مع الحليف المسلم المتمثل بالحريري وعدم ربحها ودّ نصر الله، بالسعي إلى التقارب مع جنبلاط للعودة إلى إنتاج ثنائية درزية – مارونية في الجبل، لم يعد لها مكان في التركيبة اللبنانية.

معارضة سعيد للتسوية تنطلق من أنها تمّت بمبادرة وشروط «حزب الله»، رئيساً وحكومة وقانون انتخاب، وهي عملياً سلّمته البلد بشكل ديموقراطي وسلميّ، وأعطته «صكاً أخضر» سيسجله في مجلس النواب بعد الانتخابات، وحينها سيُشكل «الحزب» لبنان ليس على قاعدة «اتفاق الطائف» أو الدستور، بل على قاعدة موازين القوى الجديدة. تلك التسوية أدّت، من وجهة نظره، إلى اغتيال سياسي للرئيس سعد الحريري، آملاً أن يكون مخطئاً، لكنه يعتبر أن هذا الاغتيال السياسي سيظهر أكثر فأكثر بعد 7 أيار، لا بل إن المرحلة المقبلة ستكشف أن كلفة هذه التسوية على لبنان هي أكبر من مردودها الإيجابي الذي جرى على قاعدة التسليم بجزء من السيادة لمصلحة الاستقرار، بحيث أضحى لبنان واللبنانيون رهينة لـ «حزب الله» تحت عنوان الواقعية السياسية واختلال موازين القوى.

أما الرهان على تحالف «المستقبل – التيار الوطني الحر» من موقع أن عون الرئيس انتقل إلى موقع وسطي، فهو ليس في محله، إذ أنه على اقتناع تام بأن العلاقة السياسية التي تربط «التيار» و«حزب الله» هي علاقة استراتيجية. ولا ينزعج «الحزب» من علاقة «التيار» و«المستقبل»، وحين يبدأ التقارب يزعجه، سيضع عندها حدوداً له.

الحوار انساق بشكل تلاقي إلى الحديث عن العلاقة مع الحريري، ومدى مسؤوليته عمّا حدث في الرابع من تشرين الثاني. يروي سعيد أنه منذ انتخاب عون، بدأ يشعر بأن النقمة السنيّة تزداد على الحريري تحت شعار أنه يُسلّم أوراقه لفريق واحد من اللبنانيين، كما أن انتخاب  رئيس الجمهورية أتى بعد تشريع «الحشد الشعبي» في العراق بقانون في البرلمان وسقوط حلب، وأنه إزاء الشعور بحالة الاحتقان السنيّ الممتد من العراق إلى سوريا فلبنان، تخوّف من إعادة إنتاج كل الحالات الاعتراضية داخل البيئة السنيّة اللبنانية. فكان أن ناقش مع النخب السنيّة ارتدادات وتداعيات تسليم البلد إلى «حزب الله». يتجنّب سعيد كشف مضمون الرسالة التي سُلّمت إلى الحريري في شباط 2017 موقعة منه ومن رضوان السيّد ونهاد المشنوق، التي تتخوّف من أن استمرار المسار التنازلي  سيؤدي إلى اختلال كامل للتوازن لمصلحة «حزب الله». يقفز عن السؤال حول الرسالة ليروي تفاصيل لقائه الحريري بعد عودته من واشنطن وبعد «حرب الجرود» ومصارحته إياه بأنه ورضوان السيّد وآخرين بصدد تشكيل حالة معارضة وطنية ضد التسوية وليس ضده، وكيف أن الحريري لم يكن سعيداً.

طبيب القلب، الذي ترك المهنة الأحبّ إليه لشغفه بالسياسة، يُجاهر بأنه لو كان بيده إسقاط التسوية لما تأخر، لكنه لم يكن على علم أو دراية بما حصل في 4 تشرين، ولا كان جزءاً من المخططين أو المشاركين. خطوط الاتصال مقطوعة مع صديقه في بيت الوسط. لا يعلم ما هي اعتبارات إعادة احتضان المملكة له، لكن ما يعلمه أن الحريري خارج المملكة هو سمكة خارج المياه.

وحين يصل إلى معرض النقد الذاتي، لا يوارب في القول إنه يتحمّل جزءاً من مسؤولية فرط «14 آذار» لكنه يأمل من القيادات الأخرى أن تتحلّى بالشجاعة في تحمل مسؤوليتها التاريخية أيضاً. على أن النقذ الذاتي الأهم هو الذي أتى في معرض ردّه على سؤال عن حالة الابتعاد بينه وبين الشارع الشيعي، إذ أنه ليس بمقدوره اليوم الحصول على صوت شيعي من جبيل إلى النجف إلى شيعة باكستان. بجرأة يعترف أنه وكل «14 آذار» فشلوا في الفصل بين التعاطي مع الشيعة والتعاطي مع «حزب الله». المقاربة الخاطئة تُشكّل سبباً رئيسياً، ولكن ما يخفّف من مقدار الخطأ سبب آخر يعود إلى أن «حزب الله» يرفع شعار «أنا الشيعة والشيعة أنا» ولم يترك مجالاً لأن يكون هناك حد أدنى من مساحة الحرية داخل الطائفة يستطيع من خلالها أحد  معارض أن يعبّر عن نفسه، وإنْ فعل يصبح إما عميلاً وإما من «شيعة السفارات»، والأمثلة حيّة وآخرها المرشح الصحافي علي الأمين الذي تعرض للضرب في بلدته وهو من عائلة «سيّاد». غير أن سعيد يرى أن هناك حاجة إلى إعادة  النظر في مقاربته لهذه المسالة لوضع حدود تفصل الطائفة من جهة و«حزب الله» من جهة أخرى، لكنه في آن يرى أن الشيعة أنفسهم لا بد من أن يساعدوا من طرفهم أيضاً، ذلك أن التجربة أثبتت أن اختزال الطوائف بحزب أو حزبين يُربح الحزب لوحده في حالة الربح، ويُخسره والطائفة عند الخسارة.

في المكاشفة، تبدو آفاق المعارضة بعد التسوية هي التحدي الأكبر. الأهم هو بقاء نواة معارضة. ما يسعى إليه هو العمل مع من يشبهونه سواء داخل المجلس أو خارجه من أحزاب وتيارات و شخصيات للوصول إلى إطار وطني لبناني عابر للطوائف أولويته للدولة ولقوة التوازن التي يرتكز عليها لبنان وليس لموازين القوى التي هي متقلبة ورجراجة. يسود الاعتقاد أنه بعد الانتخابات قد تتبدّل الجغرافيا السياسية في داخل الوسط المسيحي. «الكتائب» خارج التسوية، و«القوات» بدأ صدرها يضيق، وإذا خرجت من التسوية قد يكون هناك مجال لالتقاء سياسي معها مجدداً، لكن ما هو جازم به أنه لن يعود إلى مربع مذهبي مسيحي بل سيكون في إطار وطني قوامه الشراكة المسيحية – الإسلامية لأنها وحدها القادرة على لعب دور الحماية للبنان وعلى إنجاز الكثير.