Site icon IMLebanon

انتخابات جنوب إفريقيا تُنهي سيطرة الحزب الحاكم وتُحتّم الائتلاف!

 

 

 

أفرزت نتائج الانتخابات التي جرت في جنوب إفريقيا، يوم الأربعاء في 29 أيار/مايو الماضي، واقعاً جديداً للمرّة الأولى.

تمثّل ذلك بفُقدان «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي»، الذي أسّسه نيلسون مانديلا، الأغلبية المُطلقة، للمرّة الأولى مُنذ إجراء الانتخابات في العام 1994.

هذا سيُفقِده إيصال رئيس الحزب والرئيس الحالي لجنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إلى الرئاسة وتشكيل الحكومة بشكلٍ مُستقل.

سيكون على «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» كَسب دعمِ أحزابٍ أخرى من المُعارضة لبقائه في السلطة، أو صغيرة، لعقدِ تحالفاتٍ معها، ما يُواجه ذلك من مشاكل عدّة، لأنّه مُطالب بالتغيير والمُساءلة ضدّ الفساد!

فقد أظهرت نتائج الانتخابات الكثافة في الاقتراع للناخبين الذين يفوق عددهم 27 مليون ناخب من أصل 62 مليون، يُشكّل السود منهم غالبة 80%، اختاروا 400 عضو في «الجمعية الوطنية» (البرلمان) و9 مجالس إقليمية من بين مُرشّحي أكثر من 50 حزباً.

نال «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» المَرتبة الأولى، بما نسبته 40%، من المَقاعد البالغ عددها 400 مِقعداً، لكن لم يتمكّن من تجاوز ما يُؤمّن له الأكثرية المُطلقة، خلافاً لما جرى في الانتخابات السابقة في العام 2019، حيث نال 58%، وحصد 230 مقعداً.

كان الحزب يتوقّع أنْ ينال ما لا يَقل عن 45%، ما يُتيح له التحالف مع أحزابٍ أخرى صغيرة تضمن له أكثرية من دون الحاجة إلى تحالفٍ مع أحزابٍ كبيرة، ما يُتيحُ له البقاء في السلطة لولاية السنوات الخمسة المُقبلة، وأنْ يترشّح رامافوزا لولايةٍ ثانية وأخيرة بكلّ سُهولة.

فيما حلَّ في المرتبة الثانية «حزب التحالف الديمُقراطي» الذي يَتزعّمه جون ستاينهاوزن، ونال 22% من الأصوات، بعدما كان قد نال 21% في الانتخابات التي جرت في العام 2019.

أماّ مُفاجأة الانتخابات فكانت فوز «حزب إم كيه» الجديد، الذي شكّله الرئيس السّابق للبلاد ورئيس «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» سابقاً جاكوب زوما، والذي نال 15% من الأصوات، رَغم أنّه حديث التشكيل في شهر كانون الأوّل/ديسمبر 2023.

لكن هذا الحزب غالبية مُؤيّديه من المُؤيّدين السابقين لـ«حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي»، الذين أقنعهم زوما بمظلوميته، وأنّه كان ضحيةً لعزله من الحزب في العام 2018، حيث حلّ مكانه رامافوزا، وسُجن في تموز/يوليو 2021 بتُهمة الفساد، بعدما كان قد ترأس الحزب قبل ذلك لمُدّة 10 سنوات وتولّى مَهام نائب رئيسه لمُدّةٍ مُماثلة.

بينما احتل «حزب مُناضلو الحرية الاقتصادية» المُعارض المركز الرابع، بنسبة تزيد قليلاً عن 9%.

واعتبر زعيمه جوليوس ماليما أنّ «أحقية «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» في أنْ يكون الحزب الوحيد المُهيمن قد انتهى».

في ضوء نتائج هذه الانتخابات، فإنّ مُهمة «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» لن تَكون سهلة للبقاء في السُّلطة وإيصالِ مُرشّحه إلى رئاسة الجمهورية أو تشكيل الحكومة!

مَردُّ ذلك إلى أنّ غالبية الأحزاب خاضت مَعاركها من أجل إضعافه، وتقليص نفوذه، والحُؤول دون استمراره بالحكم مُنفرداً، بعدما كان يَحظى بالأكثرية المُطلقة، بعدما اتهمها بالفساد، فكيف سيُبرّر التّحالف معها!؟

هذه الأحزاب لا شكّ في أنّها ستَضعُ شروطاً للقبول بالتحالف مع الحزب الحاكم ودعمِ مُرشّحه لرئاسة الجمهورية وتشكيلِ الحكومة، وإنْ كان ذلك سيبقى سَيفاً مُسلطاً، بإمكانها في أي لحظةٍ سحب الثقة منه.

من هذه الشّروط التي تضعُها للتحالف مع «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي»:

– التخلّي عن ترشيحِ رئيس الحزب والرئيس الحالي للبلاد سيريل رامافوزا. وهذا التوجّه يجدُ مَنْ يُؤيّده داخل الحزب الحاكم، لمُطالبه بإقصاء رامافوزا لاتهامه بأنّه السبب في تراجع الحزب وفقدان ما يتجاوز 17% من الأصوات، في أسوأ انتخاباتٍ يخوضها الحزب في تاريخه، أفقدته السيطرة المُطلقة.

– التحالف مع «حزب التحالف الديمُقراطي»، برئاسة ستينهاوزن، الذي سيفرض اتفاق شراكةٍ، وهناك مصلحة له لأن أحزاب المُعارضة الأخرى تستهدف توجّهاته الرأس مالية.

– أمّا بشأن الأحزاب المُعارضة الأخرى، فإنّه سيكون مُضطراً إلى التعاون مع أكثر من حزبٍ لجمعِ ما يُمكّنه من الحصول على أكثريّة تفوق نصف أعضاء المجلس.

في المُقابل، هناك تَجمّع أحزاب مُعارضة للحزب الحاكم، وإنْ التقت على مُعارضته، لكن الخلافات في ما بينها كبيرةٌ جداً، ما يُصعّب إمكانية التحالف في ما بينها!

هذه الانتخابات أدّت إلى إنهاء سيطرة الحزب الواحد للمرّة الأولى، والتي سَبقها تراجُعُ عددٍ من الأحزاب التي قادت حركات التحرّر في إفريقيا، عن الحُكم لأسبابٍ مُتعدّدة داخليّة وخارجيّة!

أمام الأحزاب في جنوب إفريقيا، 14 يوماً من إعلان نتائج، تخوضُ خلالها مُفاوضاتٍ شاقة من أجل التوافق على انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل الحكومة، بحيث يكون تقاسم السُّلطة في ما بينها، مُغايرٌ للمرّة الأولى عن سابقاتها.

في غضون ذلك، تُؤكد جنوب إفريقيا مُواصلتها دعمِ القضايا الوطنية، خاصةً ضدّ التمييز العنصري الذي عانت منه، والاستمرار برفع قضيّةٍ لدى «محكمة العدل الدّولية» ضدّ الكيان الإسرائيلي في جريمة حربِ الإبادة الجماعية التي يَخوضها ضدّ أبناء الشّعب الفلسطيني.

هذا من دون أن يَتمّ إغفال دور الكيان الإسرائيلي والولايات المُتّحدة الأميركية، بتحريض الأحزاب المُعارضة ضدّ «حزب المُؤتمر الوطني الإفريقي» الحاكم، بإغداق وعودٍ بالمُساعدة لحلّ المَشاكل الاقتصادية والمَعيشية والحياتية التي يُعاني منها أبناء جنوب إفريقيا، وتترك تداعياتها على حَياتهم اليومية.