IMLebanon

تغييريّو الجنوب و«حزب الله».. خيار المقاومة وحدَه لا يكفي

 

تبدو العلاقة بين المعارضين التغييريين للسلطة في الجنوب و«حزب الله» خاصة جداً وتختلف عنها بين الحزب ومخاصميه في باقي المناطق والتي يتخذ بعضها سمة العداء.

 

ذلك بسبب طبيعة القوى الجنوبية التي تسعى الى التغيير في هذه المنطقة كون قسم منها جاء من رحم الشرائح التي لطالما أيدت «حزب الله» في خياراته حتى انها تحالفت معه في أكثر من استحقاق ماضي، علناً أحيانا وسرّاً أحياناً أخرى.

 

نعني بالمعارضين هنا في شكل عام كل من يخاصم السلطة السياسية أو المنظومة حسب المصطلح الرائج كثيراً اليوم. وكانت الغالبية الساحقة من هؤلاء المعارضين خارج تلك السلطة وانضم إليها بعض من انخرط في الحكم من دون سلطته التنفيذية مثل النائب أسامة سعد مثلاً الذي يتحالف مع عماد تلك المعارضة حزبياً وهو «الحزب الشيوعي».

 

يحلو لهؤلاء المعارضين تسمية أنفسهم بقوى التغيير وثمة جزء كبير منهم تشكل نتيجة انضمام شرائح شعبية ساخطة الى معارضة أركان السلطة بعد 17 تشرين 2019.

 

تحالفات سابقة

 

هذه الشرائح المُنضمّة الى معارضة السلطة تنتمي إليها أيضا عائلات تقليدية في الجنوب وشخصيات عملت في الشأن العام وأحزاب سبقت أن احتفظت بعلاقات حسنة مع «حزب الله» وحركة «أمل»، والأخيرة كانت محط تركيز تلك القوى منذ العام 1992 حتى وقت قريب، حتى ان «حزب الله» كان يُعد لمرحلة طويلة أحد أركان قوى التغيير تلك رغم تحالفه على مضض مع الحركة في الاستحقاقات الانتخابية خلال الحقبة السورية.

 

بعد العام 2005 تولى الحزب قيادة الدفّة علنا في الجنوب وبات العامود الذي تستند إليه «أمل» للظفر بمقاعدها النيابية ولا يزال الأمر كما هو عليه في القانون الحالي للانتخابات القائم على نوع من النسبية حيث الحزب هو الرافد والمحور للغالبية الكبرى من مقاعد الحركة.

 

ولذلك يوجّه المعارضون اللوم للحزب بحماية المنظومة في لبنان في شكل عام وفي الجنوب في شكل خاص، لكن المزاج العام للقوى الساعية الى التغيير في الجنوب يحتفظ بموقفه الداعم لخيار المقاومة لا سيما وان بعض التيارات فيه سابق للحزب في فعل المقاومة قبل تأسيس الحزب في العام 1982.

 

«وهج السلاح»

 

وبذلك ثمة تفريق بين خيار المقاومة وبين معارضة سياسة «حزب الله» في الداخل اللبناني ويزيد عليها المعارضون «ممارسات الحزب داخليا واستقواءه على الآخرين» أو ما يسميه هؤلاء بـ«وهج السلاح»، أي فرض ما يريده الحزب عبر فائض قوته المعنويّ من دون استخدام سلاحه مباشرة ويقدمون أمثلة عديدة على ذلك.

 

في الايام الاولى لـ 17 تشرين، شارك كثيرون من بيئة الحزب في التظاهرات والمسيرات ضد السلطة، لكن الحزب انسحب من الشارع بعد تشكيكه في أهداف ما يحصل واعتباره ان المطالب انتقلت من كونها معيشية الى قضايا سياسية موحى بها خارجياً.

ad

 

طبعا لا تأتي مقاربة الحزب لبعض حراك 17 تشرين من فراغ، لكن التعميم على الحدث بحد ذاته كان ظالماً في حق جزء وازن من قوى ونقابات وشخصيات ما زالت تتحرك في الشارع حتى اليوم في وجه المنظومة، وعلى صعيد مقاربة السلاح تقدم العنوان نفسه الذي يقدمه «حزب الله» للتسوية تحت عنوان «الدولة القوية».

 

خصوصية الجنوبيين

 

وبذلك تحتفظ تلك القوى بخلاف جوهري مع آخرين من أحزاب وتيارات وشخصيات في لبنان يقدمون السلاح كأولوية كونه يشكل أزمة النظام، وهو اتجاه كبير قادر على تظهير صوته ويحتوي ضمنه أكثر من رأي الغالب فيه تحميل المنظومة السياسية وسلاح «حزب الله» بالتوازي مسؤولية ما حلّ بالبلاد.  خلال نقاشاتهم الطويلة، توصل حراكيو ومعارضو الجنوب الى تسوية مع هذا الرأي الاخير حول طبيعة مقاربة موضوع سلاح الحزب جنوباً تمت فيه مراعاة خصوصية حراك الجنوب، وإن كانت اقلية فيه ما زالت تحتفظ بخطاب حاد ضد الحزب دفع بها الى مقاطعة أنشطة باقي المجموعات متهمة الحراك الذي صاغ خطابه بدقة، بالمواربة وداعية إياه الى تسمية الأمور بأسمائها.

 

على أن هؤلاء المعارضين لا يختزلون كل من يخاصم الحزب والثنائي، بل هناك من لم ينضو في أنشطة الحراكيين ويدلي بآرائه الموجهة للسهام الى الثنائي في القرى والبلدات والمدن الكبرى كما في صور والنبطية وغيرهما..

 

أسئلة بلا إجابات

 

لكن المزاج الحراكي العام تخطى مرحلة الحرج سواء في خطابه تجاه الحزب أو في رده على الدعوات المقابلة المتطرفة غامضة الخلفيات.

 

فالحزب ولد نتيجة غياب الدولة ولم يحلّ عند نشوئه بدلا عنها، كما أن قضية قتال إسرائيل تتخذ نصيبا وافرا في نبض الجنوبيين الذين تعرضوا للتهديد منذ قيام تلك الدولة العام 1948، والتي نتج عنها تهجير مئات آلاف الفلسطينيين الى لبنان غير القادر على تحمل هجرة ديموغرافية كتلك تهدده في نسيجه، ومجازر واعتداءات إسرائيلية وحتى منع تجول في بعض المراحل لقرى في الجنوب كانت سابقة حتى لغزو العام 1978..

 

لذا فإن قضية التحرير ليست تفصيلاً هنا وهي حدثت نتيجة المقاومة بعد غياب الدولة، ويطرح هؤلاء أسئلة من نوع: ماذا في مقابل نزع السلاح؟ ثم من قادر على ذلك؟ ومن يضمن عدم تكرار الاعتداءات في مرحلة ما قبل المقاومة؟

 

هنا يصبح مطلب الدولة القوية مخرجاً للجميع بمن فيهم الحزب الذي تسري وجهة نظر في لبنان وخارجه وطبعا في صفوف المعارضة في البلاد، بأنه لا يريد تلك الدولة وهو وجّه سلاحه في إطار اللعبة السياسية الداخلية ليضمن حكما مواليا له.

ad

 

من جهته ثمة في بيئة «حزب الله» كما في الحزب نفسه، من لا يصنف حراكيي الجنوب بعملاء الخارج ويوافق على منطلقات آرائهم.

 

هذا برز في المرحلة الاولى لـ 17 تشرين وما زال قائماً اليوم وان لم يُعبَّر عنه علناً. لكن طبعا سيلتزم أصحاب هذا التقييم بقرار القيادة مهما كان وبتقديرها للأمور في الانتخابات «كونها عالمة بما يغيب عن الآخرين فالقضية كبيرة جداً». وهم بذلك يشيرون الى قضية المقاومة في الأساس في وجه العدو وفي المنطقة وهما قضيتان لا يمكن التفريق بينهما.

 

في مطلق الأحوال تبدو النتيجة واحدة مهما حسنت النيات، الإفتراق في الانتخابات حيث الصوت الاعتراضي الأهم لن يكون حزبياً بل مستقلاً يُعبر عن مزاج اعتراضي عام يعلمه الحزب تماماً.

 

يأمل المعارضون الحصول على حواصل عدة لكنهم قد يخسروها جميعها (إذا استثنينا سعد في صيدا الذي يملك خصوصية شعبية) في حال عدم توحيد الجهود واللوائح أو مثلا لجوء الحزب الى تشكيل لائحة مموهة تُشتت الحراكيين.

 

سيناريو مُتخيَّل

 

لكن ماذا لو خرج الحزب يوما واعلن فك الإرتباط مع المنظومة وتحالفه مع المعارضين في الجنوب؟

 

هو سؤال خيالي لكن الاجابة عليه تشير الى الرؤية الفعلية للحراكيين حول «حزب الله». فليس «بالضرورة ان يصطدم الحزب مع حلفائه في المنظومة أو ان يتحالف معنا»، حسب قيادي في الحراك، بل يمكن له ترشيح لوائح منفردة. لكن حتى هذا السيناريو شبه المستحيل قد يكون مضى الزمن عليه بعد 17 تشرين، إلا أنه بالتأكيد سيحصل على رضى شرائح كثيرة في الجنوب بمجرد طرحه علما ان هذا الطرح المُتخيل لن يكون في صالح لوائح المعارضين في هذه المنطقة كونه سيغرف من رصيدهم..

 

وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات وما اذا كانت الحواصل المأمولة بالنسبة الى معارضي الجنوب ستتأمن أم لا، فإن «حزب الله» استعاد جزءا وازنا من مؤيديه ما سيظهر في 15 أيار، لكن في المقابل سينزوي آخرون خارج الاستحقاق الانتخابي بلا تصويت فعليّ، بينما سيكون السؤال متمحوراً حول المعترضين من خارج أحزاب الحكم والمعارضة في آن لتبيان حجم هذا الاعتراض.