Site icon IMLebanon

مُراقصة المستحيل في جنوب لبنان

 

 

حين لا يستطيع بنيامين نتنياهو تغيير حفنة تراب في جنوب لبنان، كيف له تغيير الشرق الأوسط؟ المؤرخ “الاسرائيلي” ايلان بابيه يرى أن شعاراته الفضفاضة والفوضوية، ستدفعه حتماً الى خارج المسرح.

 

لكننا، ونحن وسط الكارثة (شيء ما يشبه الجحيم). مدن وقرى تزال، لنبقى وحدنا في الخنادق، دون أن ندري من يبيع رؤوسنا ومن يشتري رؤوسنا، ان في سوق الأمم أو في سوق القبائل، لا بد من أن نتوجس من كل ما يحدث حولنا – في الظل ـ وفي هذا البيت الذي بمنازل كثيرة…

 

كم عدد الطرابيش ـ طرابيش الباريزيانا ـ التي استعدت للذهاب على دبابات هرتسي ليفي الى قصر بعبدا؟ لن  نقرأ اللائحة ـ الفضيحة؟ رئيس على شاكلة محمود عباس في الضفة، والا لا رئيس، بعدما تمكن التأجيج السياسي والطائفي على مدى سنوات، من انتاج تلك الحالة المروعة من الهلهلة. تابعوا صحف وشاشات اليمين في “اسرائيل” لتعرفوا ما في رأس بنيامين نتنياهو.

 

لكنها المقاومة، المقاومة المقدسة. في التعليقات “الاسرائيلية”: “يقاتلون كما لو أنهم يثأرون لنصرالله”، اذ بدأ نتنياهو يستشعر ما يحدث لجنوده، وما عليه الا أن يصنع الغرنيكا اللبنانية في أكثر صورها هولاً…

 

ولكن ألم تبدأ الصرخات تعلو في الداخل، من أنه يقاتل من أجل مصيره الشخصي، لا من أجل مصير “اسرائيل”، والى حد التحذير من أن تتكرر “ليلة الكريستال” في ألمانيا في الشرق الأوسط.

 

يؤاف غالانت قال “اننا بحاجة الى جنود اضافيين”. معلومات موثوقة تتحدث عن 6000 آلاف أميركي و2000 أوروبي يقاتلون الى جانب “الاسرائيليين”، ناهيك بمئات، وربما الآلاف من الأكراد (من مقاتلي الجبال) اختيروا لمعارك التلال. كل تلك الجحافل لم تؤثر في الأداء الخارق لرجال المقاومة، بعدما ظن نتنياهو ، وقال ذلك في جلسة لـ «الكابينت”، “ان رجال نصرالله سيتساقطون مثلما تتساقط الطيور الجريحة”.

 

“الاسرائيليون” في صدمة. بعد تلك السلسلة الطويلة من الاغتيالات التي طاولت البنية القيادية لحزب الله، كيف يقاتل المقاومون كما لو “أنهم بعثوا من الرماد”؟ هنا التشكيل العنقودي للحزب بالوجه الذي لا يؤثر فيه أي غياب على ديناميكية الهيكلة، ولا على ديناميكية الأداء…

 

الخبراء الأميركيون الذين كتبوا عن “الأرواح التي تقاتلنا في فيتنام”، وهذا ما رأيناه في فيلم المخرج الأميركي الفذ فرنسيس فورد كوبولا، يلاحظون الآن أن مقاتلي المقاومة في لبنان وفي غزة نسفوا، بـ “استراتيجية اللحظة” (لحظة النار)، كل النظريات العسكرية منذ الاسكندر ذي القرنين وحتى البروسي كارل فون كلاوزفيتتز، مع بعض التماهي مع نظرية الجنرال الفيتنامي فو نغوين غياب.

 

لكن أليس حكام “اسرائيل” في أغلبهم، ورثة الثقافة الأوروبية في تفاعلها مع الثقافة التوراتية، وحيث لم يتوقف قرع الطبول يوماً، ومنذ ظهور الأمبراطورية الرومانية في العام 27 قبل الميلاد؟

 

ما زاد في جنون المشهد ذلك التداخل بين ثقافة وول ستريت وثقافة الكاوبوي، لكن البداية كانت بابادة الهنود الحمر، وصولاً الى فيتنام، حين أمر الملازم وليم كالي (16 آذار 1968 ) جنوده بتطويق قرية ماي لاي، واضرام النار في بيوتها وقتل كل سكانها. اذ حكم على الكالي بالسجن مدى الحياة، أمضى يوماً واحداً وراء القضبان قبل أن يصدر الرئيس ريتشارد نيكسون العفو عنه. ماذا يحدث الآن، وبـ “شراكة” أميركية كاملة في غزة وفي لبنان؟

 

هي المعادلة الأميركية ـ “الاسرائيلية” التي باتت معروفة للقاصي والداني “أقتل ثم اقتل ثم اقتل”. لكن العالم الذي اهتز من أجل فيتنام ومن أجل أوكرانيا، تعامل، ما عدا بعض المواقف من بلدان أوروبية بعيدة عن صناعة القرار، بلامبالاة مثيرة للذهول مع كل الأهوال التي تحدث للبنانيين وللفلسطينيين.

 

ولكن حين لا يستطيع الأميركيون البقاء لا في فيتنام ولا في أفغانستان، وقد فروا تحت جنح الظلام، كيف لـ «الاسرائيليين” البقاء في لبنان، وحيث الكلام حيناً عن “مراقصة الجحيم”، وحيناً عن “مراقصة المستحيل”؟ لن تكون الحرب الطويلة. لا تغيير في لبنان، ولا تغيير في الشرق الأوسط.

 

لندع ايلان بابيه يسأل اذا كان نتنياهو سيخرج من لبنان مرفوع الرأس أم… مقطوع الرأس؟؟