بعد أسابيع على إطلاقه «مؤتمر الجنوب» في منطقة النبطية الفوقا («اللواء» 23 حزيران الماضي)، صاغ حراكيو الجنوب وثيقة المؤتمر بعد بحث طويل إتخذ وقتا أكثر من اللازم، لكنه اتسم بدراسات متأنية وصريحة لصوغ البرنامج الذي من المفترض ان تسير قوى التغيير عليه.
هي المنطقة الأكثر تعقيدا لناحية المعركة والقدرة على التغيير وانغلاقها عليه، ولذلك فكان ضروريا انضاج الأمور قبل اطلاقها وتقديم خطاب يتوق كثيرون إليه ويعد فقدانه احد اسباب انكفاء معظم الجنوبيين عن ولوج الحراك مع عدم وجود البديل المقنع لهم على رغم حالة واسعة من التململ من أركان السلطة.
ولذلك خرج «مؤتمر الجنوب» بمسودة وثيقة شاملة ستكون قيد الدرس بين المؤسسين كما مع المتعاطفين في الجنوب وخارجه لصياغة بنودها النهائية.
على ان غالبية المؤسسين هم من غير الحزبيين المجرِّبين في السياسة، وهم يريدون خلق تيار تغييري، ولذلك قدموا في وثيقتهم برنامجا طويلا يقارب النواحي المختلفة للأزمة اللبنانية.
يريد المؤتمرون قدر الامكان ابعاد أنفسهم عن الحزبية ولذلك عند دراستهم الهيكلية التنظيمية اتفقوا على تمثيل الاحزاب نفسها عبر اشخاص من دون اطار رسمي، وبذلك يصبح المؤتمر مظلة للجميع المنضوين ضمن ما يسمى بقوى التغيير.
الوثيقة الواسعة جاءت لتعرية قوى المنظومة وتتهمها بما آل إليه وضع البلاد، مع تقديم ما تراه حلولا للأزمة الحالية متعددة الأوجه واولها تشكيل حكومة نزيهين لوقـف الانهيـار والمعالجـة وللتحضير للانتخابات.
والمؤسسون يؤكدون فيها انطلاقهم من مجموعة قيم ومنطلقات وطنية تهــدف إلــى ترجمة هذا التنوع الى القــوة الاعتراضية فــي الجنــوب على طريق بناء مشــروع دولــة المواطنــة والمســاواة.
بين «حزب الله» وقوى تستثمر «الثورة»
والنقاشات تدور في السياسة حول واقع النظام والمنظومة والدولة. وفي الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي والأزمة الإجتماعية، ولعل الاهم في واقع تيّار الاعتراض وتحدياته وسبل ارتقائه إلى معارضة.
على ان اهم ما قاربته الوثيقة كان العلاقة مع سلاح المقاومة أو «حزب الله» وواقعه في المنظومة وقيادته للأحداث وتأثير ذلك على 17 تشـرين. فـي موازاة سعي قـوى سـلطوية أخـرى باتت معروفة ذات مرجعيّـات خارجيـة مختلفـة وتنتظـر بدورهـا مـآلات التحـوّلات الخارجيـة، لاسـتثمار «الثـورة» والتلطّي خلفهـا وغلغلـة خطابهـا الفئـوي ضـد خصومهـا فـي المنظومـة.
وفتحــت الورشــة حــوارا جريئا نسبة الى ظروف الحراكيين في الجنوب، تحــت عنــوان المقاومــة والعلاقـات الخارجيـة.
وبالنسبة الى الرأي الغالب في الحراك فإن «حزب الله» يمارس السياسة والمقاومة، وبما ان لا بديل عن سلاح المقاومة اليوم لردع اسرائيل، فإن لا نية للتعاطي بعدائية مع هذا الموضوع.
وفي المقابل فإن هؤلاء يعتبرون ان الحزب الذي كان شاهدا وساكتا عن الفاسدين، بات اليوم في موقع الشريك والحامي، ولم يعد الامر يقتصر على كون الحزب غير مستفيد من قوى الفساد.
طبعا لم يعجب هذا التقييم المُعادين للحزب الذين يطرحون نزع سلاحهم وهم كثر في لبنان لكنهم قلّة في الحراك والمؤتمر في الجنوب. اذ لا يكفي القول بأنها مقاومة مذهبية ويجب ان تتحول وطنية.. لكن المؤتمرين يشددون على الحال غير الصحي، واذا كان مرفوضا طرح فكرة السلاح في ظل الخطر الحالي، يجب نقاش كيفية الاستفادة من المقاومة الوطنية وان يكون لها الاطار ضمن الجيش اللبناني او ضمن استراتيجية دفاعية.
هذا لا يعني عدم وجود توجس من قبل الحزب تجاه هذه الطروحات، حسب بعض المؤتمرين، اذ ان القول بمقاومة من ضمن الدولة، ومقاومة وطنية غير مذهبية، فذلك يعني عدم الوضوح في مقاربة مستقبل الحزب، بغض النظر عن واقعية تنفيذ هذا الامر.
وبالنسبة الى الحراكيين فإن الحزب يتعامل معهم كمجموعات مجهولة النية، ولا يمكن استشراف مواقفها، والامر ليس نفسه مع قوى المنظومة التي خبر مقاربتها وقد يكون سبب تحالفه معها رفضها لـ17 تشرين.
ولذلك أكــد المؤتمــرون أن الدولــة هــي المشــروع والمرجــع، وتقـوم ومؤسسـاتها بحمايـة لبنــان وإدارة العلاقات الخارجيــة.
وإذ شددت الدعـوة علـى معالجـة موضـوع المقاومـة بعقلانيـة، حفظـا لسلم لبنان المجتمعــي والسياســي، دعا البعــض إلــى الفصــل مــا بيــن المقاومــة، مبــدأ، وحـزب الله. كون المقاومـة هي حق يتفــق عليه اللبنانيــون، فــي حيــن ان الحــزب هو قــوة سياســية لبنانيـة يُختلــف حولها مثــل كل القــوى السياســية. وهــذا الامر ضــروري لحمايــة التنــوع وبنــاء المعارضــة، ومــن دون ذلك ســيبقى كثيــرون ومن ضمنهم الحزب، وجمهـوره، يرفضـون أي نقـد سياسـي بحجـة أنـه نقـد للمقاومـة التي يجب ألا تكون مذهبية.
التنظيم وتوحيد الجهود
وعلى سبيل واقع تيار الاعتراض يريد الحراكيون توحيد الجهود والموقف، والهدف التغيير عبر الانتخابات وان كان هؤلاء لا يجاهرون به، وهم يتفاءلون بما حصل من انتصارات فـي اسـتحقاقات نقابيـة وطلابية عـدة لترجمتها مستقبلاً.
وفي الاسابيع المقبلة مفترض أن يتوصل المؤتمــر الى صيغــة تكفــل التنــوع وسيعمل في اطار مجموعات مناطقية وسيكون هناك لجان الأقضية التي تعمل على التشبيك بين المؤتمرين في مختلف المناطق، ثم الهيئة التنسيقية.. ويطرح البعض تشكيل لجنة مختصة بالانتخابات تُعنى بالمعايير وبالترشيحات وبالتحالفات، فالزمن اليوم مغاير للماضي القريب بعد 17 تشرين، ولكن خاصة في ظل الانهيار الكبير الحاصل.
مواجهة هيبة السلطة والزبائنية
يدرك هؤلاء التحدي ولا يتوهمون الخرق السهل، فالجنوبيون، كما غيرهم من لبنانيين، يريدون تعويضهم عن الطبقة السياسية لكن بنمط زبائني مشابه لا يمثل رؤية الحراك الذي يدعو الى تطوير عبر الدولة ولا يهدف الى اتباع الاسلوب الخدماتي غير القانوني للمنظومة الحالية.
وامام الجنوبيين المعترضين عندها خيارات مثل التصويت مع قوى التغيير او الاستنكاف ومقاطعة الانتخابات نتيجة افتقاد هيبة من سيصوتون له مقارنة بالسلطة او نتيجة افتقاد المشروع البديل، او حتى اللجوء الى ما يعرف بالصوت الانتقامي..
ويبدو ان النبض الاساسي عند المعارضة في ذلك الاستحقاق هو عند المستقلين، وإن وجدت احزابا منظمة هيكلياً كـ«الشيوعي» و«الشعبي الناصري» او مجموعات مثل «وعي» و«منتشرين» و«لحقي» و«مواطنون ومواطنات في دولة» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد»، وحتى احزابا مثل «الكتلة الوطنية» وغيره..