IMLebanon

جنوب لبنان الخطر الوجودي على الكيان الصهيوني

 

 

لعلّها المعركة الأدق التي تُخاض بتاريخ الصراع العربي – “الإسرائيلي” التي يصعب تخايل سيناريوهاتها من بدايتها، مروراً بمسارها وبفترتها الزمنية وتوسّعها، فهي حدثت بظروف مختلفة لم يَشهدها الكيان يوماً في تاريخه، الذي بدأ بالكلام عن حلم “اسرائيل الكبرى”، وينتهي اليوم بالكلام عن زوالها، هاجس يعيشه العدو الإسرائيلي علنياً، بعد أن ضعفت قدرته على إخفائه، هذا ما فعلته المقاومة به…

 

حطّمت المقاومة في لبنان، التي بدأت بمجموعة شبان أحلام “الجيش الذي لا يُقهر”، فحوّلته الى جيش “الدُمى الإسرائيلي”، وأوقفته على “إجر ونص” مرات عديدة حتى يومنا هذا، بحيث أصبح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يَستطيع فعل ذلك بخطاب واحد، أو حتى برفعة إصبع فقط دون إطلاق رصاصة واحدة، واليوم وصل به الأمر للقيام بكل ذلك دون أن ينطق بحرف واحد…

 

يتحدّث السيد نصرالله بضربات مُجاهديه الذين يُذيقون جيش العدو مرارة المواجهة معهم ويُرعب مستوطنيه، الذين لم تجد قيادتهم مكاناً يأويهم هذه المرة، مما زاد مِن غضبهم على نتنياهو الذين يتهمونه بإهمالهم وعدم الإكتراث لمصيرهم…

 

اليوم وبعد طوفان الأقصى، والمشهد الذي رأته عيون العالم، والتي لن تستطيع “إسرائيل” محوَه مهما فعلت، وضع القضية الفلسطينية التي تعني العالمين العربي والإسلامي وكل حر في هذا العالم على مفترق طرق، إما إنهائها أو إنهاء الكيان، لذا فإن معالجة هكذا قضية مصيرية بحجم الأحداث التي تَجري في غزة، من الطبيعي أن لا تنحصر داخلها، فإتساع دائرة المعنيين بها تشمل كل مَن تطاله نتائجها، لذا فإن الأمر يحتاج الى كثير من الدقة والروية والمعرفة العميقة بسياق الأحداث، والقدرة على التنبؤ بمآلاتها، فالمعركة اليوم ليست بين عشيرتين أو قبيلتين ، إنما هي معركة بين محورين بينهما تناقض وجودي، لذا تتجاوز الجبهة الواحدة المعنية بالمباشر في هذه المعركة الى الجبهات الأخرى، وتحديداً جبهة جنوب لبنان الأكثر خطورة على مصير الكيان، وبالتالي إنهاء المحور الأميركي في المنطقة…

 

الطرف المعني بشكل مباشر على هذه الجبهة هو المقاومة الإسلامية، التي أكدت من خلال تجربتها أنها لا تخوض حرباً خاسرة، وأنها صادقة في وعودها، وأنها تمتلك الى جانب القوة العسكرية وشجاعة المواجهة عقلاً بارداً إستراتيجياً لا تحكمه الإنفعالات العاطفية، توصيف يدفع لطرح سؤال: كيف يُمكن ترجمة هذه الصفات في تحديد الموقف الذي يُمكن أن تتخذه هذه المقاومة؟

 

من المؤكد أن الجواب لن يكون سهلاً، تقول مصادر في محور الممانعة، لذلك علينا أن نرسم المشهد بناءً على الثوابت التي لا تحتاج الى دليل:

 

– الثابت الأول: هو أن مصير المقاومة في فلسطين يُعتبر أولوية استراتيجية لمحور المقاومة ولقيادة المقاومة في لبنان بالتحديد، وعليه فإن هذا الأمر يُمكن وضعه كخط أحمر أوّل لتحديد سلوك المقاومة.

 

– الثابت الثاني: أن قيادة المقاومة في لبنان لا تنقصها الشجاعة ولا الصدق ولا العاطفة الإنسانية، وبالتالي فإن موقفها سيَأخذ بعين الإعتبار البُعد الإنساني والديني والأخلاقي والعاطفي ولكن بشجاعة، فالشجاعة لا تعني دائماً الإقدام في أي وقت ، وإنما قد تعني إمساك النفس عن الإقدام في الوقت الخاطىء.

 

– الثابت الثالث: أن المقاومة منذ الساعات الأولى لحدث عملية طوفان الأقصى اعتبرت نفسها معنية بهذه الحرب، وبدأت إجراءاتها الميدانية لإبلاغ العدو أنها جزء من هذه المعركة…

 

– الثابت الرابع: أن ما قامت به المقاومة حتى الآن من عمليات إعماء وإشغال واستنزاف للعدو الصهيوني في الجبهة الشمالية، كانت ستقوم به كمرحلة أولى في أي مواجهة مع العدو في هذه المنطقة، وبالتالي فإن المقاومة تقوم بمناورتها القتالية بناءً على الحاجة الميدانية والمبررات الأخلاقية للمواجهة.

 

– الثابت الخامس: إن مسؤولية الدفاع عن فلسطين هي مسؤولية عامة، لا يجوز أن تُختَصر بحزب أو فصيل، إنما هي مسؤولية الشعوب التي تخاذلت أنظمتها طوال ٧٥ عاماً عن نُصرة هذه القضية ، وبالتالي فإن إعطاء الفرصة الزمنية لتفاعل الشعوب ويَقظتها أمام ما يُرتَكب من مجازر في غزة، هو جزء من استراتيجية التعبئة العامة التي توظّفها المقاومة لصالح معركتها الكبرى، وإن أي تدخّل قبل هذا التفاعل سيُشكِّل تعويضاً نفسياً عن تقصير هذه الشعوب في القيام بمسؤولياتها، فالمقاومة ليست مجموعة قتالية تتكفّل بإنجاز المهام التي يجب على الشعوب إنجازها، إنما هي عامل قوة في محيط بشري عليه أن يُشكِّل حاضنة لتضحياتها.

 

– الثابت السادس: إن الغموض الذي تُمارسه المقاومة ليس غموضاً سلبياً، إنما هو غموض إيجابي فعّال تترجمه حالة القلق والتوتر في المحور الأميركي – الصهيوني، ويُعزِّز هذه الإيجابية العمليات القتالية المدروسة والجهوزية للتضحيات التي تُسطّرها المقاومة في جنوب لبنان.

 

إلا أن بعد انخراط حزب الله في المعركة وإعلانه بالقول والفعل أنه جزءٌ منها، هناك مَن يَسأل متى تدخل المقاومة في الحرب الكبرى؟ وبناءً على هذه الثوابت يُصبح السؤال عن ال “متى” حاجة مشتركة بين العدو والمستعجِلين بخلفيات معروفة، لأن هذه الجبهة تُشكِّل في وجدان العدو جبهة تقرير المصير، على ما تؤكد المصادر، باعتبار الخطر الآتي من الشمال مذكورا في أساطيرهم التي تؤكدها الوقائع.

 

نعم هي ليست جبهة للإشغال، تضيف المصادر، ولا لتحقيق المكاسب، إنما هي جبهة تُشكِّل خطراً وجودياً حقيقياً على الكيان الصهيوني، لكن ما يحصل أنه بعد تلقّي جيش ومجتمع هذا العدو صفعة طوفان الأقصى، وشعور الدول الراعية للكيان بهذا الخطر يجب أن تُعطى الفرصة الزمنية المناسِبة لتفاعل هذه الصفعة، في تفكيك البنية الإجتماعية والثقافية والنفسية داخل الكيان، حتى إذا بدأت الحرب الكبرى تبدأ على حطام الإرادة القتالية لجيش العدو وجبهته الداخلية، فيكون خيار الهجرة والفرار من الكيان هو أفضل الخيارات الممكنة، ويكون اليأس من حماية الكيان هو الموقف الأمثل الذي يمكن أن تتخذه الدول الراعية. فهذه الحرب لا يَحكمها العامل العسكري فقط، إنما تتداخل فيها العوامل الثقافية والنفسية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية والسياسية في مرتبتها الإستراتيجية.

 

وفي هذا السياق يُعتبر صمت الأمين العام لحزب الله أحد عوامل القوّة التي تُساهم بعملية التفكيك المطلوب في بنية الجبهة الداخلية للعدو، فمن الضروري أن لا يعرف هذا المجتمع المعتدي، طعم الإستقرار، ولا يقين البقاء أو عدمه إلا بعد فوات الأوان.

 

واللافت، وما يجب الإشارة إليه كبداية لنتائج المعركة، أن “إسرائيل” ومَن خلفها خسرت معركة الرأي العام… وأهم ما خسرته أن كل ما قامت به من أفعال وكل ما دفعته من أموال لتشويه صورة المقاومة وقائدها في لبنان، ذهب هباءً بهتافات الشعوب العربية من غزة الى مصر الى الجزائر الى الكويت للسيد نصرالله ليثأر لكل الذين قتلتهم آلة الحرب الصهيونية الإجرامية.

 

إذاً… الأكيد أنها ليست معركة سهلة، لكن المقاومة الإسلامية في لبنان هي أكثر مَن خبِر العدو الإسرائيلي، وأوّل مَن أذاقه طعم الهزيمة وانتصرت عليه في كل حروبها معه، فهي أكثر ما يُرعبه وأكثر ما يُهدّد وجوده وهي التي تخط مصيره بيدها… هكذا أثبتت التجارب التي حفرت عميقاً في الوجدان الصهيوني، وهكذا ستُثبت الأيام القادمة ممن تجهزوا ليطعموا العدو مرارته الأخيرة…