يدور الحديث منذ فترة عن ان شهر تموز سيكون حاسما ومفصليا على اكثر من محور داخلي وخارجي. ويذهب البعض الى القول انه سيشكل فترة مفصلية، اكان بالنسبة لحرب غزة ام للحرب على جبهة الجنوب اللبناني مع العدو الاسرائيلي.
هل صحيح هذا التوصيف؟ وما هي الاسباب التي تجعل تموز شهرا حاسما لمسار التطورات المتصلة بالحربين؟ ينطلق المراقبون في تحليلهم وتوقعاتهم من ان هناك استحقاقات تفرض نفسها على المستويين الدولي والاقليمي، بالاضافة الى العوامل المتعلقة بنتائج حرب غزة، وما احاط ويحيط بالمواجهات على جبهة الجنوب.
في الوقائع المتعلقة بالاستحقاقات ذات التأثير الدولي والاقليمي، تبرز الانتخابات الاميركية المرتقبة في ٥ تشرين الثاني المقبل. ويرى مصدر سياسي مطلع ان ادارة الرئيس بايدن ستكون منخرطة بشكل شبه كامل في الاشهر الثلاثة التي تسبق موعد الانتخابات، في التحضير للمواجهة المننتظرة مع الرئيس السابق دونالد ترامب. ويعتقد المصدر ان هذه الادارة تعول على تحقيق انجاز مهم يُحسّن موقع الرئيس بايدن، الذي اصيب بنكسة كبيرة بعد المناظرة الاخيرة مع خصمه. لذلك فانها عازمة على كسب ورقة قوية في الاسابيع القليلة المقبلة، وهي تحقيق وقف النار في غزة وصفقة تبادل الاسرى بين حماس و “إسرائيل”. ويرى المصدر ان المهلة لتحقيق هذا الهدف باتت ضيقة، وان شهر تموز هو الفترة المتاحة لتوفير هذه الفرصة الثمينة للرئيس بايدن.
وفي مجال الاهتمام الكبير لادارة بايدن في كسب ورقة وقف النار في غزة، يشير المصدر الى بيان وزارة الخارجية الاميركية اول من امس، وتأكيدها على ” ضرورة وقف اطلاق النار في غزة، وان وقت المساومات حيال هذا الامر انتهى “، موضحة انها تعمل مع مصر وقطر “لسد الفجوة بين حماس و “إسرائيل” بشأن مقترح وقف النار”، الذي كان اعلنه الرئيس الاميركي. ويقول المصدر ان وقف النار في غزة هو المفتاح لوقف النار على جبهة الجنوب اللبناني، وان بايدن سيستعيد انفاسه اذا نجح في تحقيق الهدفين في غضون اسابيع قليلة.
ومما لا شك فيه ان التطورات الداخلية الفرنسية الاخيرة على وقع الانتخابات البرلمانية ونتائجها، وما يتوقع ان ينجم عنها، تجعل تموز الفترة المتاحة لفرنسا من اجل استكمال دورها المتعلق بالوضع في الجنوب اللبناني الى جانب الدور الاميركي، بالاضافة الى دورها في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وبعد تموز ستكون باريس منغمسة في مشاكلها الداخلية والترتيبات التي تلي الانتخابات، لا سيما على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة.
اما على صعيد وقائع الحرب في غزة ونتائجها، فتلاحظ الاوساط المراقبة استنادا للتقارير العسكرية والديبلوماسية ان الجيش “الاسرائيلي” لم يتمكن من تحقيق الاهداف المعلنة في غزة، ورغم تدمير اجزاء كبيرة من القطاع وارتكاب مجزرة ابادة ضد الشعب الفلسطيني، الا انه لم يلحق الهزيمة بحماس وفصائل المقاومة بعد ٩ اشهر من القصف والقتال العنيف واستخدامه كل الاسلحة الاميركية الحديثة.
وعلى جبهة الجنوب اللبناني، اصيب جيش العدو بضربات قوية لم يكن يتوقعها، وعجز عن مواجهة صواريخ ومسيرات حزب الله الهجومية، ما ادى الى الحاق خسائر كبيرة في صفوفه وفي معداته العسكرية وشبكة دفاعه الجوي، عدا الدمار والاضرار الكبيرة في مواقعه وفي المستوطنات الشمالية، التى فر منها ما يقارب مئتي الف مستوطن “اسرائيلي” جنوبا.
وصار معلوما ان ما جرى ويجري على هذه الجبهة، بات يشكل عاملا ضاغطا على حكومة نتنياهو، وتحول الى هاجس يومي لدى قيادة العدو على المستوى السياسي والعسكري.
وحسب مصادر ديبلوماسية فان التهديدات “الاسرائيلية” المرفقة بحملة تهويل غربية، لم تحدث اي تأثير يذكر على موقف وقرار حزب الله، واستمراه في المواجهة حتى وقف العدوان الاسرائيلي على غزة. وتلاحظ المصادر ان هذا التهويل وصل الى الذروة في الايام الاخيرة، وانه من غير الممكن ان تؤدي الى تعديل في موقف الحزب كما لمس الموفدون والسفراء الغربيون.
وبتقدير مصدر في “الثنائي الشيعي” ان التهديد بحرب واسعة على جبهة لبنان، لا ترتكز الى معطيات ميدانية او سياسية، وان قادة العدو باتوا في وجه الحائط في غزة او على الحدود مع لبنان. ويشير في هذا المجال الى ان ما اوردته صحيفة ” نيويورك تايمز” الاميركية امس يعكس الوضع السيء للعدو، حين نقلت عن مسؤولين بان كبار جنرالات “اسرائيل يريدون بدء وقف اطلاق النار في غزة، حتى لو ادى ذلك الى بقاء حماس”، وانه يمكن للهدنة مع حماس ان تسهل التوصل الى اتفاق مع حزب الله. ويعتقد هؤلاء الجنرالات ان قواتهم تحتاج الى وقت للتعافي في حال حرب برية مع حزب الله.
ويشار في الاطار نفسه الى اعلان هيئة البث “الاسرائيلية” منذ يومين عن موافقة المستوى السياسي على اعطاء الضوء الاخضر للجيش “الاسرائيلي” للانتقال تدريجيا الى المرحلة الثالثة والاخيرة من حرب غزة، وان القرار اتخذ بسبب صفقة تبادل الاسرى والتوتر على الجبهة الشمالية لتجنب اتساع الحرب.
هذه الوقائع والمعطيات وغيرها، يمكن ان تجعل شهر تموز شهرا حاسما ومفصليا كما عبر الرئيس بري في حديثه الاخير لـ ” روسيا اليوم”.