IMLebanon

عن جبهة جنوب لبنان وبعض من قدرات المقاومة هناك…

 

“لن نكتفي بذلك”… عبارة قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأولى، في الشهر الأول من العدوان الصهيوني على غزة، عن جبهة جنوب لبنان التي اشتعلت بعد يوم واحد من ملحمة طوفان الأقصى، كجبهة مسانِدة لغزة حتى انتصار مقاومتها، ترتفع وتنخفض وتيرتها وفقاً لقواعد ميدانية بحتة حدّدها السيد نصرالله من البداية، وهي مرتبطة بالعدوان على القطاع، وبالآداء “الإسرائيلي” في الجنوب بشكل حاسم وقاطع.

 

ثَبَت حزب الله كعادته على هذا الكلام، الذي وصل لكل الوفود التي أتت الى لبنان مِن أميركية ومَن يدور بفلكها مُهدِّدة استمراره بالمعركة، مؤكداً أن مَن يُريد إيقاف المعركة عليه أن يُوقِف العدوان على غزة، وأن مَن خَبِره يَعلم جيداً أنه لا يَرضخ لتهديد، وما لا يُؤخذ منه في الحرب لا يُمكن أخذه لا بالتهديد ولا بالديبلوماسية…

 

استمرت المقاومة الإسلامية بمعركتها في الجنوب وفقاً لقواعده،ا وأكدت من خلال الميدان أن تصعيد الحرب مرتبط بأداء العدو الإسرائيلي، فإذا وسّع عدوانه سترد الصاع صاعيْن، وهذا ما شوهد عملياً من خلال عمليات المقاومة بدقّتها وعددها ونوعيّتها ومدياتها، فإظهار هذه القدرات لا يشغل “الإسرائيلي” وحسب، إنما يردعه من خلال معرفته بعض ما ينتظره في جبهة، لطالما كان الصراع معها ينتهي بانتصار مقاومتها…

 

هذه المرة المعركة مع العدو في الجنوب مختلفة عن سابقاتها، تماماً كما قال السيد نصرالله، وهذا ما كان لافتاً من اللحظة الأولى ورغم التصعيد الذي يحصل مع مرور الوقت، إلا أنه لا زال عند المعادلة السابقة مع تطور بقيَ ضمن قواعد الإشتباك، لكنه يحمل رسائل متبادلة والمؤشرات على ذلك ثلاثة:

 

– المؤشر الأول على أن توسيع المديات بقيَ ضمن قواعد الإشتباك، باعتبار أنه يستهدف كل ما له علاقة بالعمليات الحربية، ظهر بالتجربة أن رسالته مضمونها الإيحاء بجهوزية كل طرف للتعامل بجدية، في حال لامس نية الطرف الآخر بتوسيع دائرة الإشتباك.

 

فالحدث الأبرز في هذا السياق، كان المدى الذي تجاوزته الصواريخ الموجَهة للمقاومة عند استهدافها قاعدة بيت هلل، حيث تجاوزت المدى المعتاد لصاروخ الكورنيت الذي يتراوح بين ٤ و ٥ كلم ليُصيب أهدافاً على مدى يتجاوز ٧ كلم، ما يعني أنه تم إدخال سلاح كورنيت متطور بالمدى لم يُستخدم من قبل، وبحسب الخبراء العسكريين فإن صاروخ الكورنيت الذي يصل مداه الى خمسة كيلومترات ونصف يستغرق وقتا بين ٢٢ و ٢٥ ثانية، أما الصواريخ التي أصابت أهدافها بدقة في القاعدة المذكورة، فكانت المدة بين إطلاقها وإصابتها للهدف ٣٦ ثانية، ما يعني أن المدى الصاروخي تجاوز بين ٧ و ٨ كلم، وهذا كان رداً على توسيع العدو لغاراته الى مدى خارج دائرة الإشتباك “المباشر”، وذلك حين استهدف منطقة إقليم التفاح…

 

فمن خلال مراقبة الأداء وتصريحات قادة العدو العسكريين والسياسيين، فإنه رغم التهديدات، من الواضح عملياً أنه لا يوجد لدى العدو نية بتوسيع الجبهة، بخلفية عدم القدرة طبعاً، إنما لديه نية إرسال رسائل تبقى ضمن قواعد الإشتباك عن جهوزيته باستهداف مواقع، يعتبرها مواقع قتالية ولو بمديات أوسع أي خارج دائرة الإشتباك المباشر.

 

– المؤشر الثاني له علاقة بالتصعيد: ففي مقابل استهداف العدو الصهيوني للمباني السكنية المدنية، وسّعت المقاومة من دائرة استهدافاتها للمباني في المستوطنات بشكل مكثّف، سواء بالصواريخ الموجَّهة أو بصواريخ الكاتيوشا أو بالقذائف المدفعية، وهذا الأمر أحدث تأثيراً نفسياً وميدانياً على فكرة عودة المستوطنين الى الشمال، بعد تضرر ٨٦ منزلاً من أصل ١٥٦ منزلاً في مستوطنة المنارة، وهذا ما كان له أثر نفسي على معنويات العسكريين ميدانياً، الذين أخلوا مواقعهم العسكرية بعد تدميرها، ولاذوا بالشقق السكنية للمستوطنات…

 

– المؤشر الثالث: هو كثافة استخدام المقاومة للطائرات المسيّرة الإستطلاعية والإنقضاضية، وملاحقة النقاط العسكرية المستحدَثة لجيش العدو، وهذا يُعتبر تحوّلاً قابلاً للتصعيد تبعاً لتكتيكات العدو في التمويه والإستتار والتخفي، فالعدو كلما أخذ إجراءات من هذا النوع، كلما رفعت المقاومة من مستوى ادائها التكتيكي…

 

هذه المؤشرات للتصعيد لا تخرج عن دائرة الأهداف التي وضعتها المقاومة لاستنزاف وإرباك العدو وإشغال قوّاته، وإشعاره الدائم بالقلق وسلب الأمن من مستوطناته، وهذا كلّه ضمن وظيفة الإسناد لغزة، وليس في سياق التدحرج نحو فتح الجبهة لأكثر من ذلك، إلا في حال ارتكب الصهيوني حماقة الهروب من مأزقه الميداني والسياسي من غزة الى جنوب لبنان، وهذا السيناريو ما زال مستبعداً ضمن المعطيات السياسية، والتوجّه الأميركي نحو تخفيف الآثار السلبية بمعركة غزة، وإخراج “الإسرائيلي” من المأزق، ومحاولة تطويق أسباب إشتعال الجبهات الأخرى، من خلال الضغط السياسي والإعلامي والإستعراضي بتشكيل التحالفات الدولية الشكلية…

 

لكن رغم ذلك، يبقى هناك إمكانية لتصوّر سيناريو آخر يَصب في خانة توسيع دائرة الحرب ولو بإحتماله الضئيل، الذي يستند على عناصر تخدم هذه الفرضية، بحيث أن ما يتحكّم بقرار الحرب أمران:

 

– الأول: الأمن القومي “الإسرائيلي”، وهذا خاضع لتقدير المخاطر التي تُشكّلها الجبهة الشمالية، وإمكانية السكوت عنها أو التهديد الناتج عن السكوت عنها.

 

– الثاني: هو عامل شخصي، له علاقة بمستقبل الطبقة السياسية والأمنية والعسكرية في الكيان، في حال بدأت المحاكمات وتوجيه التهم، حيث لا يمكن تجاوز ما حصل في السابع من أكتوبر دون فتح أبواب السجون لإدخال المقصِّرين بهذه الفضيحة من عسكريين وأمنيين وسياسيين، وما دام هؤلاء يملكون القدرة على اتخاذ القرار في الحرب، فقد يكون الهروب من المحاكمات سبباً من أسباب اتجاههم نحو توسيع دائرتها ناحية الشمال…

 

أما عن الرفض الأميركي لهذا التوجّه ومنعه من البداية، فهذا لا يعني أنه من غير الممكن أن يكون آخر الخيارات، خاصة وأن معركته الإستراتيجية في مواجهة الصين أو إيران، تحتاح الى تحقيق إنجاز وإزالة عقبة في سياق معركة استعادة الهيبة…

 

إذاً، تتعدد الخيارات التي يفرضها الفشل الأميركي و”الإسرائيلي”، بحيث أن واشنطن لديها خططاً بديلة دائماً تُخرِجها للعلن بعد إفشال ما سبقها، صحيح أنها قرّرت التعامل مع جبهة جنوب لبنان بالتهديد الديبلوماسي، إلا أن ذلك يُعتبر سيناريو واحداً ضمن مجموعة كبيرة مُحضَّرة مسبقاً قادرة على تغيير المشهد، لكن يبقى الثابت فيه أن المقاومة الإسلامية جاهزة لكل السيناريوهات، التي لا تُساند غزة فقط وإنما تحمي مستقبل لبنان كلّه من جنوبه….