لم تكن وقفة رأس الناقورة، عصر السبت، «لتثبيت الحقّ بالخط 29»، وقفة «رجلٍ واحد» في وجه العدو الإسرائيلي. على بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع فلسطين المحتلة وعلى مرأى من رادارات «روش هنكرا» المعادية، اختلف المشاركون على مبادئ رئيسة، منها؛ كيف نُثبّت الحق بالخط 29 في الأساس؟ خلافات لم تقلّ عُمقاً عن الخلاف على الترسيم البحري بين لبنان والعدو!
تباينت أصناف المشاركين في الوقفة عاكسةً تباين الداعين لها من مجموعة النواب «التغييرين» ومجموعات «17 تشرين» إلى الحزب الشيوعي اللبناني. بلدية الناقورة استبقت التحرك بتجهيز باحة على تلّة مُشرفة في منطقة وسطية بين المقرّ العام لقيادة الـ«يونيفيل» والمراكز الحدودية للجيش والأمن العام والـ«يونيفيل». قبالة يافطة «أُحبُّ الناقورة» بالإنكليزية، استحدثت البلدية فواصل حمائية تفصل بين التلة والمنحدر الصخري تحتها. بالباصات، وصلت مجموعة من حاصبيا ومرجعيون من مناصري النائب فراس حمدان، أحد الداعين للوقفة، والذي وصل لاحقاً. ثمّ وصلت باصات أخرى أقلّت مجموعات شيوعية من النبطية وكفررمان وصريفا وعين بعال وصور ومعركة. وما بينهما، وصل عدد من «الثوار».
تحت قيظ الشمس وفي زاوية جانبية، رفع أحد المشاركين يافطة كتب عليها «الشكر من القلب لسلاح المقاومة، حامي نفطه». لحظات وتوافد إليه بعض «الثوار»، طالبين منه بالشدّة والشتائم والوعيد، إنزال يافطته «منعاً لحرف النشاط عن مساره». استغرب صاحب اليافطة انزعاجهم، مشيراً إلى أن «الشكر واجب للمقاومة الإسلامية والوطنية المسلحة التي حرّرت الأرض التي نقف عليها». وخلال تعداده أسماء شهداء لـ«جبهة المقاومة الوطنية» وحزب الله وغيرهما، استُفزَّ من كلامه البعض، وكادوا أن يتعرضوا له بالضرب. إحدى «الثائرات» بالغت بإبداء اشمئزازها من اليافطة وصاحبها، وقالت له بسخرية: «روح اشكر المقاومة غير هون»، قبل أن تدعوا رفاقها إلى نبذه وحيداً. أحد الشبان برّر استياء مجموعات «17 تشرين» بـ«أننا نسعى لإثبات أننا لسنا مؤيدين لحزب الله عندما نجاهر بدعمنا لمقاومة إسرائيل. ومثل هذه اليافطات لا تخدمنا». تمسّك صاحب اليافطة برفعها، فيما أصرّ المنزعجون على إزالتها، وشكوه للنائبة حليمة القعقور. استبشر صاحب اليافطة خيراً عندما استدعوه للحديث معها، ظناً بأنها ستنصُره. ولكن ما إن قرأت النائبة «التغييرية» فحوى اليافطة، حتى غضبت وقالت له بحدّة: «من يحمينا هو الجيش اللبناني». لكن أحد «الثائرين» وعبر مكبر الصوت «لتسمع إسرائيل»، توعدها باسم «ثوار 17 تشرين» بأنهم «لن يسمحوا لها بسرقة حقوقنا».
قبل أن يعالج أمر اليافطة، برز خلاف آخر على الأعلام. هاجم أحد «الثوار»، شاباً يرفع علم فلسطين وهدّده بالضرب، مؤازَراً من عدد كبير من المشاركين لأن «هذا النشاط لبناني»، منهم النائب ملحم خلف الذي أصرّ على رفع العلم اللبناني فقط لأنه «يوم لبناني بامتياز». في المقابل، دافع كثر عن العلم «الذي يمثل القضية المحورية في الصراع العربي- الإسرائيلي. ووقفتنا هنا لا تنفصل عن الصراع». علم الحزب الشيوعي و«جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، أثار الاستفزاز أيضاً. وسُجّل حوار عنيف بين بعض رموز الجبهة، منهم الأسير المحرر كايد بندر، و«ثائرين» في مقتبل العمر عن دور الجبهة في تحرير الأرض، التي يقفون عليها.
الخلافات بالجملة والمفرق التي وصل بعضها للضرب، حوّلت مكان الوقفة إلى حلبات مصارعة ومجموعات منفصلة لا يجمعها شيء. فـ«الثوار» تقوقعوا في جانب والشيوعيون في جانب آخر. وفي زاوية، عقد حمدان وخلف والقعقور اجتماعاً مغلقاً، قبل أن ينبروا لتلاوة البيان الصادر عن النواب «التغييريين». اضطر الثلاثة للانتقال من وسط المكان إلى إحدى زواياه بسبب الإشكالات التي لم تتوقف. وبشكل سريع أمام وسائل الإعلام، نادت القعقور على حمدان لتلاوة البيان المحفوظ على هاتف خلف. باسم زملائه الـ 13، تعهد حمدان بأن وقفة رأس الناقورة «ستكون بداية التحركات للمطالبة بتعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 للتفاوض في الترسيم البحري بدلاً من الخط 23 و إيداعه لدى الأمم المتحدة للحفاظ على ثروة لبنان».