فشلت المناورة الاميركية ـــ الاسرائيلية في إقناع روسيا بخطة عمل خاصة في جنوب سوريا. التفاعل الروسي مع المطالب الواردة لم يكن كافياً لإقناع الرئيس بشار الاسد بالدخول في تسويات «انتقائية»، وعاد وقرر المضي في معركة التحرير استناداً الى قوة الميدان، مستعيناً بحلفائه الإيرانيين وحزب الله، وعدم قدرة روسيا على الوقوف جانباً
بعد مرور الاسبوع الاول من أيار الماضي، شهدت الحدود السورية مع فلسطين المحتلة “ليلة الصواريخ” الشهيرة. ما جرى ترجم اتفاقاً بين إيران وسوريا وحزب الله بالرد على الاعتداءات الاسرائيلية. لم يكن في بالهم توجيه رسالة جدية الى العدو بأنه لم يعد ممكناً أن تسير الامور كما كانت عليه سابقا، فحسب، بل أيضاً توجيه رسالة أخرى، لم يوقع عنوانها، هدفت الى قطع الطريق على أي تفاهم ممكن بين روسيا وإسرائيل والاميركيين حول “قواعد اللعبة” في تلك المنطقة. تعب بنيامين نتياهو في محاولة انتزاع موافقة روسيا على قواعد اشتباك في جنوب سوريا. كان العدو يتحدث بفوقية عن حقه في حرية العمل العسكري لمواجهة «تهديد إيران وحزب الله». وكان يطلب في المقابل فرض قيود على أعدائه. وظل على الدوام يرفق طلباته بتهديدات أنه يقدر على توجيه ضربة قاسية للنظام السوري ومؤسساته العسكرية والمدنية.
صحيح أن روسيا تسعى على الدوام الى تجنّب حصول مواجهة بين إسرائيل ومحورالمقاومة على أرض سوريا، وحجة الروس الاساسية هي منع اسرائيل وخصوم الدولة السورية من ضرب ما تم إنجازه على صعيد إعادة سيطرة الدولة على الاراضي السورية، لكن في موسكو كان هناك مَن يُظهر تفاعلاً مع تفاهمات قد تتجاوز حدود المعركة القائمة في سوريا. وعند هذا الحد ارتفع مستوى المبادرات الاميركية والاسرائيلية تجاه روسيا، وتقديم العرض تلو العرض، مقابل ضمان موقف روسي عملاني، يثبت ضمان أمن إسرائيل من جهة، وضمان عدم تعريض دول الجوار لاهتزازات ارتدادية، وخصوصاً الاردن.
مرّ شهران الى الآن على المحاولات الجدية. كان البارز، بداية، لجوء واشنطن الى استثمار موقف الرئيس دونالد ترامب من سحب قواته من سوريا. ومع أن الضغوط من جانب قوى نافذة في الادارة الاميركية، وقوى إقليمية أبرزها السعودية واسرائيل، قد نجحت في تجميد الخطوات التنفيذية لهذا التوجه، الا ان التطورات على الارض جعلت واشنطن تدرك أن مسار الاحداث يسير ضمن نفس الوجهة التي تناسب دمشق وحلفائها في محور المقاومة، وأن روسيا التي لا تقف جانباً طوال الوقت، تستثمر هي الاخرى في تعزيز حضورها الدولي والاقليمي.
المطالب الاميركية والتفاعل الروسي
خلال عمليات التفاوض الجارية بين الروس والاميركيين حول سوريا، كانت إسرائيل تعد لائحة الشروط، وتقدم سلة بسقوف عالية بهدف الحصول على ما تريده فعلاً. وقد عادت تل أبيب على إثر ليلة الصواريخ الى إطلاق موجة ضغوط جديدة: تتوجه مباشرة الى موسكو مذكرة بمطالبها ومهددة بحرب واسعة، ثم تتوجه الى واشنطن مطالبة بخطوات عملية أو أنها ستضطر الى جر المنطقة الى مواجهة إقليمية. وفي الطريق، لا تتوقف عن تحريض السعودية على رفع مستوى الضغط، لكون ما يحصل في سوريا سيعزز محور خصومها.
التواصل بين الروس والسوريين والايرانيين لم ينقطع. لكن، بدأ الهمس حول اسئلة وخطوات روسية، توحي بإمكانية حصول ما يمكن تسويقه على أنه انتصار للدولة السورية، لكنه يعرض الانجازات الاستراتيجية لخطر. وقد زادت الشكوك مع توارد معلومات عن مساع أميركية مع الحكومة العراقية لأجل التفاهم على خطوات بما خصّ الحدود السورية العراقية من جهة، وجميع حدود العراق من جهة ثانية. وقد سمع قادة من فصائل المقاومة العراقية المقاتلة ضمن الحشد الشعبي ما يكفي من المعلومات المسرّبة من مصادر عسكرية عراقية تتبع لقيادة الجيش العامل تحت إمرة رئيس الحكومة حيدرالعبادي، وفيها ما يشي بحثّ الجيش على صدام مع الحشد الشعبي، وهو ما تزامن مع إطلاق أكبر حملة سياسية تدعو إلى حل الحشد الشعبي ودمج فصائله ضمن القوات المسلحة العراقية، ومع ارتفاع منسوب التحريض السياسي على إيران وحضورها في العراق.
مطلع حزيران الماضي، شهدت سوريا مجموعة من الامور التي تعزز الشكوك. ومع أن إيران وحزب الله لم يذهبا بعيداً في الشك في ما تقوم به روسيا، إلا اأن بعض الخطوات الميدانية دفعت الى رفع مستوى البحث مع القيادة السورية.
لم تمض أيام قليلة من حزيران الماضي، حتى تبين أن الروس حصلوا من الاميركيين على لائحة مطالب، تقدم الأجوبة على الهواجس الاسرائيلية والسعودية في سوريا والعراق. وتبين أن المطالب وضعت في سياق إطار “تفاهم عام” وهي تشمل الآتي:
أولا: توافق الولايات المتحدة على مبدأ سيطرة الحكومة السورية برئاسة بشار الاسد على كامل الاراضي السورية، على أن يكون المدخل إنهاء الوضع في الجنوب، قبل التوجه الى الشمال الغربي والشمال الشرقي. ويجب أن يترافق ذلك مع ترتيبات تشمل التفاهمات السياسية حول الدستور.
أميركا طلبت من العبادي إبعاد الحشد الشعبي عن الحدود مع سوريا وطلبت من موسكو مراقبة نقاط العبور على الحدود مع لبنان
ثانياً: لا تمانع الولايات المتحدة الموقف الروسي الداعي الى انسحاب جميع القوات الاجنبية من سوريا. وهي أبدت استعداداً للبدء بخطوات من جانبها لإخلاء قاعدة التنف الواقعة على القسم الجنوبي من الحدود السورية – العراقية والملاصقة للحدود مع الاردن، على أن يكون القرار واضحاً في أن يشمل إخراج القوات الإيرانية وأي ميليشيات اخرى، مع التشديد هنا على حزب الله وعلى قوات الحشد الشعبي العراقي.
ثالثاً: تضمن الولايات المتحدة موافقة إسرائيلية على انتشار الجيش السوري على طول الحدود مع الجولان المحتل وفق ما كانت عليه الامور قبل اندلاع الازمة السورية، وأن تتولى القوات الاسرائيلية إقفال المنطقة من جانبها وتمنع أي تحرك للمسلحين بالاتجاهين، وأنها مستعدة للتوقف عن تقديم أي عون لهذه الجماعات في تلك المنطقة.
رابعاً: تضمن الولايات المتحدة موافقة أردنية على قرار بإقفال تام للحدود الاردنية ـــ السورية، وإنهاء أي وجود مسلح على طول الحدود، وإقفال مكاتب المعارضة السورية في عمان، وتسليم النقاط الحدودية الى الجيش السوري، وإعادة تفعيل حركة النقل التي تشمل سوريا ولبنان والاردن ودولاً عربية اخرى.
خامساً: أن يصار إلى انسحاب كامل للقوات الإيرانية وقوات حزب الله إلى مسافة 40 كلم شمال الحدود مع الجولان والأردن، وأن تنتشر قوات روسية ضامنة في هذه المنطقة، وأن يصار إلى تكليف موسكو بإيجاد الحلول السلمية أو العسكرية لواقع المجموعات المسلحة في تلك المنطقة، بما في ذلك المساعدة على مواجهة «جبهة النصرة»، والضغط لإنهاء وجود «داعش» في حوض اليرموك.
سادساً: أن تتخذ إجراءات خاصة عند الحدود السورية – العراقية والحدود السورية – اللبنانية، بما يشمل من جانب العراق، إبعاد قوات «الحشد الشعبي» مسافة 50 كلم عن الحدود، وتولّي الجانب الروسي مراقبة النقاط الحدودية مع لبنان، على أن يترافق ذلك مع تفعيل الضغوط الغربية على الحكومة اللبنانية لنشر أوسع نقاط مراقبة إلكترونية على طول الحدود اللبنانية – السورية، بما يمنع انتقال السلاح من العراق إلى سوريا ولبنان.
«الحشد» والغارة المجهولة
مع حصول سوريا وإيران وحزب الله على لائحة المطالب الأميركية – الإسرائيلية، تلقّى الرئيس بشار الأسد سلسلة اتصالات، ثم عقدت سلسلة من اللقاءات الرفيعة المستوى في دمشق كما في طهران، بالاضافة إلى لقاءات في بيروت.
في طهران، تمّت مناقشة حصيلة التواصل مع موسكو حول الشروط الأميركية وحول المقاربة الروسية. وتم ذلك وسط تفاهمات روسية ــ إيرانية تتجاوز الملف السوري، وتطال ملف العقوبات الأميركية الجديدة على إيران. تطوعت موسكو كما الصين لتولّي مواجهة هذه العقوبات ومساعدة إيران على عدم التضرّر منها، لا سيما في ما خصّ بيع النفط الإيراني في العالم. وكان هناك تقدّم كبير جعل السؤال مستغرباً حول إمكانية التفاهم على ملف بهذا الحجم، واحتمال حصول خلافات جوهرية حول الملفين السوري والعراقي، ولا سيما أن هناك تبايناً جدياً ظاهراً بين الجانبين، بما خصّ الملف اليمني والموقف من السعودية.
في ما خصّ العراق، بادرت قوات «الحشد»، بعد مشاورات شملت عدة عواصم تخصّ محور المقاومة، إلى تعزيز وجودها على الحدود مع سوريا، بل أقدمت على شنّ هجمات مكثفة داخل الأراضي السورية وأعلنت عن ذلك. وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأميركيين على وجه الخصوص، فكانت الغارة الجوية على مواقع تخصّ «كتائب حزب الله – العراق» على الحدود واستشهاد عدد غير قليل من المقاتلين وإصابة آخرين.
المعلومات الأولية لدى كتائب حزب الله تقول إن الأميركيين هم الذين يقفون خلف الغارة، لكن سعي واشنطن إلى الصاق التهمة بإسرائيل، وعدم وجود نتيجة نهائية للتحقيق، جعلا الموقف يتجه صوب الرد بطريقة مختلفة، أولاً، من خلال تعزيز وجود فصائل المقاومة العراقية على الحدود مع سوريا، وتوسيع دائرة الانتشار اللصيق لهذه المجموعات بعدد غير قليل من القواعد الأميركية في العراق. وأما الوجهة الثانية من الرد، فهي تنتظر مجموعة من العناصر الميدانية والسياسية قبل اتخاذ القرار، لكن الأكيد، بحسب مصادر واسعة الاطلاع، أن كتائب حزب الله – العراق ستردّ بقوة على الهجوم، سواء كان الأميركيون يقفون خلفه أو إسرائيل.
أما ما يخص سوريا، فقد نقل الإيرانيون إلى دمشق وحزب الله حصيلة المشاورات مع الروس، تبع ذلك عقد لقاءات خاصة جداً مع الرئيس السوري، الذي اتخذ قراراً بالرد على المطالب الأميركية بطريقة لا تتسبّب في مشكلة مع روسيا. فتعمّد إجراء مقابلتين في وقت قصير، واحدة مع صحيفة بريطانية وأخرى مع قناة «العالم» الإيرانية، وأعلن خلالهما أن المعركة ضد الارهاب في سوريا تتطلب استمرار وجود قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله، ومرّر إشادة وشكر للمرة الأولى لقوات «الحشد الشعبي» التي قاتلت في سوريا أو التي تخوص معارك ضد «داعش» على جانبي الحدود.
لا حاجة إلى تفاهم مع الأميركيين
لكن الأهم كان في ما خص ملف الجنوب السوري. الاجتماعات التي عقدت في دمشق انتهت إلى حصيلة تقول إنه لا يمكن ترك أي مفاوضات روسية – أميركية تجري بطريقة وكأنّ مقرراتها سيتم تنفيذها حكماً. وهو أمر لفت إليه الأسد في حوارات مع الروس، حتى إنه أعطى إشارات في المقابلات الاعلامية عندما قال إن القرار في النهاية هو قرار سوري. واستند الأسد في ذلك إلى كونه مقتنعاً بأن المعركة لا تزال طويلة، وأنه لن يقبل، تحت أي ظرف، دفعه إلى تنازلات بعد كل الذي حصل، ثم تبيّن أن الأسد، ومعه حليفاه في إيران وحزب الله، على التوافقات الآتية:
أولاً: إن الولايات المتحدة الأميركية غير قادرة على القيام بأي عمل ميداني من شأنه قلب الطاولة، وإن محاولة واشنطن «رشوة» الآخرين بأنها مستعدة للانسحاب من قاعدة التنف هي محاولة من دون معنى، خصوصاً أنّ الأميركيين يعرفون أن التطورات ستجعل هذه القاعدة محاصرة ومن دون فعالية، كما أن بقاءها لن يؤثر على البرنامج الاستراتيجي للدولة السورية في هذه المرحلة.
الأردن يقدم معلومات استخبارية الى دمشق، ويتجه إلى إقفال تام لحدوده مع سوريا، ويحذر الجماعات المسلحة من النشاط، ويساعد روسيا على إنجاز المصالحات
ثانياً: إن إسرائيل التي تهدّد بقلب الطاولة على الجميع تصرفت على إثر «ليلة الصواريخ» وفق مبدأ أنها تعلمت الدرس الأول. صحيح أنها لن تستسلم، لكنها باتت تعرف جيداً أن ما حصل تلك الليلة قابل لأن يتكرر بطريقة مختلفة، وضد أهداف تتجاوز الجولان المحتل.
ثالثاً: إن الوضع المضطرب في الأردن ومحاولة عزله عن «صفقة القرن» دفعا قيادته إلى جملة من الخطوات الهادفة إلى إثارة ذعر إسرائيل وأميركا والسعودية. ومن بين هذه الخطوات، المبادرة إلى تقديم معلومات عبر جهاز المخابرات إلى الجانب السوري تتعلق بالوضع في الجنوب، لا بل رتّبت عمان مجموعة من الاجتماعات بين ممثلين عن الجيش الروسي وممثلي الجماعات المسلحة المقيمين في الأردن، ومن دون إشراك القادة الميدانيين. وترافق ذلك مع تنبيه يلامس حدود الإنذار من جانب عمان إلى هذه الجماعات بعدم القيام بأي عمل عدواني ضد الجيش السوري، ثم بدأت عمليات تضييق على هذه المجموعات من قبل عمان التي قالت صراحة إنها صاحبة مصلحة في عودة الاستقرار إلى الحدود والى إعادة العمل بمعبر نصيب الحدودي، لكونه يدرّ عائدات سنوية توازي 350 مليون دولار… عدا عن كون عمان أبرزت فجأة المخاطر الناجمة عن لجوء نحو مليون ونصف مليون سوري إلى أراضيها.
رابعاً: يمكن للجيش السوري إطلاق عملية عسكرية منظمة في الجنوب تقوم على مبدأ استعادة السيطرة على كامل أرياف السويداء ومحافظة درعا وتحصين المواقع قرب الجولان المحتل، من دون الاضطرار، الآن، إلى عملية عسكرية خاصة في محافظة القنيطرة، وبما يسمح باستعادة السيطرة على كامل الحدود مع الأردن.
وفي هذا المجال، عبّر كلّ من إيران وحزب الله عن استعدادهما لعدم إحراج دمشق أمام الروس، وحتى عدم إحراج الروس أمام الآخرين، من خلال جعل قوات الحزب المشاركة في عمليات الجنوب تندمج مع قوات الجيش السوري. وهو أمر أشارت إليه إسرائيل مبكراً في سياق صراخها الدائم عن انتشار حزب الله في الجنوب السوري.
القرار بالمعركة وانسجام روسي
على الاثر، تم اتخاذ قرار من قبل الرئيس الأسد بإطلاق الاستعدادات السريعة والمكثفة للقيام بعملية عسكرية قاسية وخاطفة لتحرير المناطق الجنوبية وفق خطة تتيح المجال أمام الوساطات والمصالحات. وهو الأمر الذي وجدت روسيا نفسها أمامه كأمر واقع، من دون أن يكون لديها اعتراض كبير، خصوصاً أن آخر جولات التفاوض بينها وبين الأميركيين لم تكن قد وفّرت أجوبة على كامل الأسئلة الروسية.
وعند انطلاق المعارك، تبيّن هشاشة واقع المجموعات المسلحة بأكثر ممّا كانت القيادات الميدانية تقدّر، حتى إن الروس وجدوا أنفسهم في موقع مريح خلال مفاوضاتهم مع ممثلي هذه الجماعات الذين شعروا بأن القرار صار محسوماً باستعادة دمشق سيطرتها التامة على هذه المنطقة، وأن أي قوة إقليمية أو دولية لن تقدر على إعاقة هذا القرار. وهو ما سهّل العمليات، من دون الحاجة إلى كثافة نارية كبيرة، بخلاف ما يتحدث عنه الإعلام المعادي لسوريا والمقاومة، لا بل إن عدداً غير قليل من المناطق سقط من دون أي مواجهة حقيقية. ومن المتوقع أن تحسم الأيام المقبلة مصير بقية مناطق محافظة درعا، مع الإشارة إلى أن استنفار القوات السورية ومعها الحلفاء في أعلى ذروته لمواجهة أي احتمال مستجدّ.
عقدة إمكانية تحقيق الإنجاز
عملياً، صار الجميع يتصرف الآن على أن الشروط الأميركية الإسرائيلية غير قابلة للتحقق، وأن أي سجال سيستمر على هذا النحو لن يغيّر من الوقائع على الأرض. وربما من الأفضل مراقبة «الواقعية» المستجدة عند الأميركيين والإسرائيليين، إذ قال مستشار دونالد ترامب للأمن القومي، جون بولتون، إنّ بلاده لا ترى مانعاً في بقاء الأسد، وأنّ همّها هو إخراج إيران وحزب الله من سوريا، بينما قال الإسرائيليون إنهم «يقبلون» بانتشار الجيش السوري عند حدود الجولان فقط.
لكن المشكلة هنا ليست في الضخّ الاعلامي الأميركي والإسرائيلي والخليجي وبعض الروسي حول أن ما يجري في الجنوب هو حصيلة التفاهمات مع موسكو. المشكلة في كون عدد غير قليل من قيادات القوى السياسية في منطقتنا يتصرفون على أنه لا مجال لتحقيق انتصار صاف. وهؤلاء، كحال معارضي النظام السوري المنتشرين بين فنادق العالم، يعتبرون أن فشل مشروعهم سببه إحجام الغرب عن دعمهم، وهي قصة لن تنتهي قريباً. حتى بعض مراكز القوى في روسيا، التي تفكّر في كيفية «احتكار المشهد السوري»، يمكن أن تلعب أكثر على هذا الوتر، ويمكن لها أن تحرّض بعض القيادات السورية على الأمر نفسه. لكن لمن يهمه التعرف على وقائع ما يجري، عليه أن يقرأ عبارة واحدة: بشار الأسد سيبقى عمود خيمة المقاومة ومحورها!
إسرائيل: قلق واستنفار عسكري
يستنفر جيش الاحتلال الإسرائيلي قواته على طول المساحة التي يوجد فيها المسلحون في محاذاة الجولان المحتل. الأنشطة الاستخبارية في أوجها، وتحركات لرجال الاستخبارات قرب أماكن انتشار المجموعات السورية التي تحاول نقل بعض جرحاها من درعا إلى داخل فلسطين المحتلة، علماً بأن قوات الاحتلال تدرس الاجراءات التي يفترض بها اتخاذها على الأرض مع تلقّيها معلومات عن نية الجيش السوري الانتقال سريعاً إلى تلك المنطقة لاستعادة السيطرة على كل البلدات والقرى التي يحتلها المسلحون.
القلق الإسرائيلي المعلن هو من وصول مجموعات خاصة من حزب الله أو قوات الحرس الثوري إلى تلك المنطقة، لكن في حقيقة الامر، تسعى تل أبيب هناك إلى فرض قواعد على الأرض بما يوفر لها ضمانات أمنية طويلة الأمد. وأمس، أثار وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، في اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الوضع في سوريا، «وبالأخص الأحداث العسكرية في جنوب هذا البلد». وجدد لشويغو أن «إسرائيل لن تقبل أي وجود عسكري لإيران وحزب الله في أراضي سوريا، وستتحرك فوراً إذا رصدت محاولات منهما لتعزيز وجودهما هناك… وأنها تسعى لطرد القوات الإيرانية وعناصر حزب الله من سوريا».
من جهتها، كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عمّا سمّته «الخطوط الحمر» في الجنوب السوري، والتي عبّر عنها قائد جيش الاحتلال غادي آيزنكوت، خلال لقائه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزيف دانفورد. ووفقاً لـ«هآرتس»، فإن «تل أبيب لن تقبل التنازل عن الخطوط الحمراء في ما يخص الوجود العسكري في هضبة الجولان، خاصة رفضها المطلق لوجود قوات تابعة لإيران أو لحزب الله فيها، وأنها تريد التزاماً سورياً تاماً باتفاقية فصل القوات لعام 1974، والتزاماً بالبنود التي تحدد طبيعة الأسلحة والقوات السورية التي يمكن لها دخول المنطقة الحدودية».
وأوضحت الصحيفة أن جيش الاحتلال لن يرد «على كل تحرك لدبابة سورية هنا أو هناك، لكنه يتوقع التزاماً سورياً باتفاقية فصل القوات لعام 1974». وأفادت «هآرتس» أنّ «إسرائيل أبلغت النظام السوري، عبر روسيا والولايات المتحدة، أنها لن تقبل وجوداً عسكرياً لغير الجيش السوري في المنطقة الحدودية في الجولان».
(الأخبار)