بعد الشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق العراقية، جاء أبو حسن الافغاني، عبر شريط فيديو يتحدث فيه من مرتفعات كفرحمام الجنوبية، موجها التحيّة لآل الصدر ولشهداء العراق، ومحييا من قلبه. قلبكم النابض ويقصد اللبنانيين، ومتحدثا للكاميرا عن مشاهدة دورية للأمم المتحدة في هذه الجهة، وعن تحليق للطيران الاسرائيلي فوق النبطية ومرجعيون، من الجهة الثانية، للتأكيد بأنه ورفاقه الظاهرون في الصورة، موجودون على أرض لبنان…
ويضيف الى ذلك ان سرايا السلام تتكلم من المناطق المتقدمة، قعدة حلوة، وهي باقية وتتمدّد…
عصائب أهل الحق في مارون الراس وسرايا السلام في كفرحمام، الرسالة واضحة ومقروءة: لا نأي بالنفس ولا التزام بالقرارين ١٥٥٩ و١٧٠١، ولكن ما هو المطلوب؟
أكيد، المطلوب ليس من لبنان، ولا بوسع لبنان ان يوفّره، حتى لو طلب منه، فلبنان بالكاد يعثر على دور في هذه المسرحية الدولية الجارية على خشبة الشرق الأوسط، ومن أين له اعطاء الأدوار؟
إذن هو، نافذة أو شرفة، يطلّ منها أصحاب المطالب، بالمونة على أصحابها، أو رغما عنهم، على ميدان اللعبة، حيث الوكيل المحلّي لموزع الأدوار الحصري، علّه يصل عبره الى دور أوسع.
المصادر المتابعة، لا تجد مبررا للقلق من دخول الفيديوات المصورة على خط السجال الدائر حول النأي بالنفس ومصير السلاح غير الشرعي، أو بالأحرى غير النظامي، لسبب بسيط، وهو ان من يلوّح بسيفه لا يضرب به، انما يريد اشعار من يتجاهله بأنه هنا، وان سياسة النعامة لا تنفع عندما تكون الأرض مكشوفة والأوراق مفتوحة ومعلّقة على الجدران.
الرسالة واضحة، حزب الله التزم من خلال موقف الحكومة بالنأي بالنفس وبتطبيق القرارات الدولية، اللاغية تنفيذيا لوجوده، تجنبا لهزّ استقرار الداخل، كأن هناك من يوازي حزب الله، انتماء واستعدادا للتلبية.
عمليا، ان توقيت زيارة الخزعلي وجماعة سرايا السلام، والتصعيد الذي شهدته ساحة عوكر، والشعارات التي ستطلق في تظاهرة اليوم في الضاحية الجنوبية، قد تكون مرتبطة باعلان الرئيس الأميركي حول القدس، لكن أهدافها تجاوزت المدينة المقدسة، التي لم تكن في يوم من الأيام أكثر من شعار، لشدّ الانتباه أو لتأجيج المشاعر، لحساب بعض الأطراف، بدليل غيابها عن دائرة الأفعال، وحصر حضورها بردّات الفعل دائما، فلو لم يقرر ترامب نقل سفارة بلاده، إرضاء لأهواء من وضع إصبعه تحت أسنانهم الجارحة، لما تحرّكت الشوارع العربية والمؤتمرات الحكومية، علما ان القدس محتلة منذ أربعين سنة…
لكن القدس ليست قضية بل هي القضية، كما قال الوزير جبران باسيل أمام وزراء الخارجية العرب، مستعيرا هذا القول للقائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي، جوابا على سؤال قائد الفرنجة الذي استغرب كل هذه التضحيات في سبيل استعادة تلك المدينة، علما ان الوزير باسيل قال ما هو أكثر، مما لم يعتد الجالسون حول تلك الطاولة المستديرة سماعه من دعوته لاستعادة العروبة الضالة، والمهدورة، حماية لشرفها المتمثل في القدس، الى ردع أي قرار، على شاكلة القرار الأميركي بالاجراءات الدبلوماسية الى التدابير السياسية وصولا الى العقوبات المالية والاقتصادية، مذكرا بالعقوبات السعودية – العراقية التي صدرت في مثل هذه الظروف عام ١٩٨١. خالصا الى القول: تعالوا ننتفض لعزّتنا ونتجنّب لعنة التاريخ. لكن قاعة الجامعة، كانت أوسع من ان تسمع لدعوته صدى… فجاءت المقررات تقليدية، في موضوع متجاوز لكل تقليد، ولم يكن بوسع لبنان أكثر من تسجيل الاعتراض على تلك المقررات التي لا ترقى الى مستوى الانتهاك الحاصل.