Site icon IMLebanon

هل ما طرحه هوكشتاين يشكل اتفاقاً نهائياً ومستداماً للحدود البرية؟

 

 

ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر اتفاقاً لوقف النار في غزة لينسحب بمفاعيله الإيجابية على الوضع في الجنوب، وليشكل إشارة لإطلاق المفاوضات غير المباشرة من أجل تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته. وقياساً على ما تسرّب من صيغ مطروحة لا يعتقد كُثر أنه سيكون اتفاقا مستداما ونهائيا ينهي الوضع المعقّد والشاذ، ويقفل ملفاً بهذه الدرجة من الحساسية بعد عقود من التوتر تعددت فيه اطراف النزاع مع العدو من خارج القوى العسكرية الشرعية اللبنانية. وعليه، كيف تبرر هذه النظرية؟

إحتفل اللبنانيون بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في 25 أيار 2000 بدخول ثلاثة ألوية من الجيش اللبناني الى المنطقة، بعدما حالت ظروف عدة داخلية واقليمية رافقت سلسلة الحروب والاجتياحات الاسرائيلية دون هذه الخطوة. وهي عملية هدفت الى وقف معاناة الجنوبيين من كل أشكال الاعتداءات الاسرائيلية لعقود أعقَبَت رفض العدو تطبيق القرار الدولي الرقم 425 الصادر في 19 آذار 1978. وهو أمر تجلّى بحروب تلت صدوره ولعل ابرزها عملية «عناقيد الغضب» التي عرفت بـ»حرب نيسان» 1996 وقبلها بسنوات عدة الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 تحت عنوان عملية «سلامة الجليل»، والتي استغل فيها العدو الاسرائيلي الوجود الفلسطيني الذي سيطر على منطقة دُعِيت «فتح لاند» وامتدت من القطاع الغربي للجنوب الى منطقة العرقوب وجبل الشيخ في القطاع الشرقي منه. وهو أمر واقع دام الى تلك اللحظة منذ توقيع «اتفاق القاهرة» في 3 تشرين الثاني 1969 على رغم من مرور تسع سنوات على إلغاء مفاعيل هذا الاتفاق في مجلس النواب في 17 أيار 1987.

 

امّا وقد تغيرت تلك الظروف، فقد جاء القرار 1701 الصادر في 11 آب 2006 لينهي «حرب تموز» او «حرب الـ 33 يوماً» بين اسرائيل و»حزب الله»، والتي بدأت بعد ساعات قليلة على خطف الحزب جنديين اسرائيليين عصر 12 تموز من تلك السنة، وليرسم واقعاً جديداً في المنطقة بعدما انتهت الحرب الأكثر قسوة وعنفاً الى تشكيل «قوات الطوارئ الدولية المعززة» المعروفة بـ»اليونيفيل»، والتي انتشرت في الجنوب بعد زيادة عديدها الى 12 الفاً الى جانب 15 ألف جندي لبناني على طول الحدود وفي عمق المنطقة حتى مجرى نهر الليطاني. وهي خطوة سبقت البدء برسم «الخط الازرق» بإشراف هذه القوة وبمشاركة فريقين لبناني واسرائيلي، والذي اعتمد «خط انسحاب» بُغية التدقيق في الخروقات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية والتي شكلت اعتداء على الحدود الدولية المرسّمة مع «دولة فلسطين» قبل الاحتلال منذ العام 1923 وكَرّستها «اتفاقية الهدنة» عام 1949 مع العدو الاسرائيلي في البند الثاني منها.

 

لم تكن الاشارة الى هذه المحطات بهدف توثيقها إنما لتشكل مقدمة تسمح بمناقشة الوضع القائم في منطقة الجنوب وما هو مطروح من مخارج وحلول لاستعادة الهدوء والاستقرار فيها، بمَساع دولية، لا سيما منها الاميركية، وخصوصا تلك التي يقودها الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتيان لتطبيق ما تبقى من القرار 1701 بعدما اختير منطلقاً وآلية لتسوية الخلافات الحدودية وإنهاء أسباب التوتر مع العدو الاسرائيلي، خصوصاً ان هذا القرار لم يتوصل الى الاعلان عن «وقفٍ ثابت ونهائي لإطلاق النار» في حينه. لا بل تحدث عن «وقف العمليات العسكرية العدائية بين الطرفين». ولم تنته جهود الأمم المتحدة للوصول الى هذه المرحلة الى أي إنجاز طالما انها لم تنته من تظهير وتثبيت الحدود اللبنانية النهائية بين الدولتين العدوّتين في الفترة التي امتدت حتى الحرب الاخيرة التي انطلقت تحت شعار «إسناد» المقاومة الفلسطينية في غزة منذ 8 تشرين الأول الماضي.

 

وانطلاقاً من هذه الوقائع وللاطلالة التي لا بد منها على ما هو مطروح اليوم من مخارج وحلول لوقف الحرب الاخيرة، فقد تكثفت المساعي الدولية والاميركية خصوصا لاستكمال تطبيق القرار 1701 وإنهاء النزاع مع اسرائيل وفق المعطيات الجديدة التي فرضتها تلك الحرب وما يمكن ان تنتهي اليه المفاوضات الجارية على أكثر من مستوى. وهو أمر فرضَ البحث عن الصيَغ المقترحة لتكون نواة للمفاوضات المقبلة ومشاريع التفاهمات المحتملة وسط غموض فتّاك سمح بكثير من السيناريوهات التي اختلطت فيها الأمنيات والرغبات بالمعلومات.

 

وفي انتظار اللحظة التي يُصار فيها الى إعلان وقف النار في غزة ستتحرك المفاوضات في لبنان، ذلك انّ هوكشتاين جاهز وقد أنجز كثيراً من التحضيرات الواجب إنجازها من اجل «اتفاق إطار» يمكن الوصول إليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما اعتاد الرجلان على إنجاز ذلك الاتفاق الخاص بترسيم الحدود البحرية على رغم من الفوارق الكبيرة بين ما كان مطروحاً وما يمكن البحث فيه عند مقاربة الحدود البرية.

 

ومن هنا انطلقت المراجع الديبلوماسية والسياسية للتداول في ما تسرّب من معطيات لا تشجّع على ان تكون النية من ورائها التوصّل الى اتفاق نهائي يُنهي الحديث عن أزمة الحدود بالصيغة النهائية غير القابلة لأيّ شكل من أشكال النزاع بين دولتين، لمجرد تأمين مصالح الطرفين. وهي نهاية انّ كان ما هو مطروح يوفّر ديمومة التفاهمات التي يمكن التوصل إليها.

لكن ما هو مطروح لا يَشي بهذه الصيغة النهائية، فكل المعلومات تقاطعت عند طروحات اميركية واسرائيلية لا يمكن ان تتلاقى ومطالب «حزب الله» تحديداً واللبنانيين عموماً. وإن صدقت المعلومات، فإنّ هوكشتاين سحب من اقتراحاته كل ما يشير الى مصير النقطة «B1» في تلة الناقورة على الخط البحري منعاً لفتح المناقشات مجددا في شأن البحث في النقاط البحرية التي تم التوافق عليها، كما انها تُعيد النظر في «خط الطفافات» فإنّ ذلك يَفرض إعادة نظر بترسيمٍ بحريّ ليس أوانه.

 

والى ذلك، يبقى الأخطر ان تحاشى هوكشتاين أيضاً البحث في مصير تلال شبعا وكفرشوبا، فإنّ ذلك قد يؤثر على مجرى المفاوضات على كل الحدود البرية ايضا. فلبنان لم ولن يقبل بأن يربط مصير الاراضي اللبنانية بكل ما هو عالق مع الجانب السوري فجزء من هذه المنطقة المحكي عنها موضوع في عهدة «الأندوف» ولا علاقة لـ»اليونيفيل» بها، وهو أمر لا يوحي أنّ ما هو مطروح قابل للبحث عن صيغة نهائية للتفاهم بين لبنان واسرائيل.

 

وعدا عن هاتين النقطتين، يبقى انّ اسرائيل ما زالت تطرح عملية التبادل لبعض الأراضي على النقاط المختلف عليها، والتي يعتبرها لبنان «مناطق محتلة». فأيّ نقاش في هذه النقاط على دقّته يستلزم تعديلا دستوريا ان اراد اي مسؤول التصرّف بشبر من الأراضي اللبنانية، وهو امر معقّد جداً ويضيف عقدة جديدة الى مجموعة أخرى من العقد مرتبطة بعدم وجود رئيس للجمهورية أُنيطت به مثل هذه الصلاحيات اللصيقة بشخصه عندما يرتبط الأمر بمفاوضات واتفاقات دولية.

 

وبناء على ما تقدم لا يمكن لأيّ مرجع دستوري او ديبلوماسي ان يستنتج انّ ما يسعى إليه الوسيط الاميركي يمكن ان يؤدي الى تفاهم نهائي ومُستدام في شأن الحدود البرية ان بقيت الشروط الإسرائيلية والأميركية على ما هي عليه بإصرارهم على الاحتفاظ بنقاط استراتيجية لا يريد التخلي عنها. وهي عملية تستدرج «حزب الله» للاحتفاظ بسلاحه ليس لتحرير الاراضي اللبنانية فحسب إنما من اجل تحرير القدس ايضاً، وهو أمر يدوم الى يوم الدين.