IMLebanon

أسئلة صعبة في إمتحانات الجنوب… وأجوبة أحلاها مرّ

 

 

بعيداً عن التطوّرات الأمنية والعسكرية، يواجه أبناء الشريط الحدوديّ تحدّيات اجتماعية ومعيشية يومية. في عطلة الفصح شهدت البلدات لا سيّما المسيحية، حضوراً شعبيّاً لفت أنظار الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ والأوساط السياسية، كأننا في جنوبَيْن. لكنّ فرحة العيد سرعان ما بدّدها الواقع الأليم، وإذا كانت بعض العائلات النازحة قد فكّرت بالبقاء في قراها، غير أن الحسابات الحياتية ومنها التربوية، جعلتها تعيد النظر في خياراتها، فمستقبل أولادها يكسر كلّ الاعتبارات. صحيح أنّ كلفة النزوح باهظة، لكنّ التسهيلات التقنية للتعليم عن بُعد (أونلاين) والعوامل النفسية تبقى أفضل من العيش تحت أزيز القصف وأصوات المدافع والطائرات ومسيّرات الاستطلاع والصواريخ الطائشة. أما المغامرون بصمودهم فلا حول ولا قوّة لهم بالانتقال إلى بيروت وتحمّل تبعاتها الماديّة والمعنويّة. في الحالتين، خياران يُحاصران الأهالي بين مرّ وأمرّ.

 

لا خطة رسمية

 

ما يزيد مرارة المعاناة، هو غياب أي خطّة عملية وواضحة حتّى الآن من قبل وزارة التربية والتعليم رغم سعيها إلى استنباط الحلول، كما حصل بملف شهادة «البروفيه»، حيث أعلن وزير التربية عبّاس الحلبي أنه «سوف يتم الاستعاضة عنها بامتحان وطني موحّد، وأنّ الوزارة بانتظار دراسة المركز التربوي المتعلقة بمستوى التحصيل في المناطق كافّة».

 

بينما في الجنوب، تتّخذ كلّ مدرسة خطواتها المناسبة، أكان في صفوفها الافتراضية العادية، أم في التحضير لامتحانات الشهادة الثانوية العامّة المنتظرة، ما يطرح تساؤلات عدّة، منها: في أي مدارس ستجري الامتحانات الرسمية؟ داخل القرية ذاتها أم بالانتقال إلى مناطق أخرى في ظلّ المخاطر الأمنية المحدقة على الطرقات؟

 

إزاء هذه المشهدية القاتمة، تبرز في الحروب والمآسي، مبادرات مُشعّة، تعكس الروح القيادية المرتكزة على الرؤية والتنفيذ. في عين إبل، تُعدّ مدرسة «القلبين الأقدسين» صرحاً تربويّاً رفيعاً، يستقطب حوالى ألف طالب من 30 بلدة جنوبية وأكثر تمتدّ من الناقورة حتى حولا وميس الجبل. لم تنتظر مديرتها الراهبة مايا بعينو إجراءات وزارة التربية والمعنيين بما يخصّ امتحانات الثانوية العامّة. تقول لـ»نداء الوطن» إننا «استأجرنا مدارس في بعض مناطق الجنوب الآمنة وبيروت تحضيراً لخوض الامتحانات كي يتمكنّ طلّابنا من التسجيل في الجامعات اللبنانية والخارجية أسوة بباقي زملائهم. كما أن اختيار تلك المدارس يأخذ في الإعتبار أماكن سكن الطلاب النازحين وفق الأقضية أو المناطق التي قصدوها».

 

وأشارت الأخت بعينو إلى أنّ «القلبين الأقدسين» قد اعتمدت التقنية الرقمية منذ 4 سنوات أي مع تفشّي وباء كورونا ودخول البلاد حالة الإغلاق التّام. ما مكّنها مع اندلاع الاشتباكات ونزوح الطلاب عن قراهم، من تأمين التواصل مع كلّ طلابها بشكل سريع ولافت. وأكّدت أن الحضور عبر «الأونلاين» هو مئة في المئة، لكنها أردفت أنّ التعلّم عن بعد له تحدّياته وسلبياته، ويختلف بين زمن كورونا وأزمتنا الراهنة، لا سيّما على الصعيد النفسي والمعنوي الذي يعيشه الطلاب. فمع كلّ غارة وقصف نحتاج لوقت لإعادة تحضير التلامذة لمتابعة الدروس. أما المسألة الأهم التي تحزّ في نفس مديرة «القلبين» هو عدم اهتمام وزارة التربية، لافتةً إلى أنه «منذ ستة أشهر لم يتّصل بنا أي مسوؤل في الوزارة للاطلاع على أوضاعنا من باب الإطمئنان على حياتنا أو لمعرفة كيفية سير العملية التعليمية عن بُعد».

 

رميش

 

في رميش، ومنذ اندلاع الجبهة في الثامن من تشرين الأوّل، فتحت ثانويتها الرسمية أبوابها ليوم واحد (تضمّ 120 طالباً)، ثم تعطّلت دروسها لأكثر من شهر ونصف قبل اعتماد تقنية التعليم عن بُعد. إذ يتحدّث مدير الثانوية سليم الحاج عن المشاكل العديدة التي يواجهها الكادر التعليمي وأهالي الطلاب، فبعض القرى تشهد تقنيناً في الكهرباء أكانت الشبكة التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان أم للمولّدات الخاصّة، إضافة إلى تدنّي جودة الاتصالات (الإنترنت)، ما ينعكس على جهوزية الطلاب، لذا يعمد الأساتذة إلى تسجيل الدروس كي يتسنّى للتلامذة الذين لم يتمكّنوا لأسباب فنيّة وتقنية من متابعتها، أن يعاودوا الإطلاع عليها ومذاكرتها في وقت لاحق. ثمّ إن بعض الطلاب لا يملكون أجهزة كومبيتور أو TABLET.

 

أمّا بالنسبة للشهادة الثانوية، فأشار الحاج إلى أنه حتّى اليوم لم يُحدّد مراكز الامتحانات الرسمية، كما أن نزوح الطلاب وتوزّعهم على أكثر من مكان أكان في بيروت أم في صور، يصعّب جمعهم في مدارس محدّدة. والمسألة الأهم، هو الواقع الأمني والميداني، فكيف سيتمّ نقل الطلاب خصوصاً المقيمين في رميش وغيرها من القرى الحدودية إلى مراكز الامتحانات خارج المنطقة؟ وكم هي المسافة التي سيجتازونها؟ من يتحمّل مسؤولية المخاطرة على الطرقات التي تتعرّض للقصف؟ ويسأل: هل تلجأ الوزارة إلى اعتماد المواد الاختيارية للمناطق الحدودية، أو إلى تقليص المحتوى في بعض الدروس؟ وهل ستراعي في تحضير وتنظيم المسابقات الوضع النفسي للطلاب؟

 

دبل

 

أما في دبل، فأشار الأستاذ في مدرسة دبل المتوسّطة الرسمية مارون ناصيف، إلى أنّ عدد طلابها يبلغ 58 وهو الأقل منذ سنوات. هذا التراجع سببه الأزمة التي شهدها القطاع التربوي الرسمي وما رافقه من إضرابات وتعطيل، ما دفع العديد من الأهالي إلى نقل أولادهم إلى مدارس خاصة. يتوقّف ناصيف وهو من الأساتذة الذين رفضوا مغادرة بلدتهم، عند واقع الحرب التي «لا تقضي على الحاضر فقط ولا تنتهي بوقف نيرانها، بل تمتدّ تداعياتها إلى مستقبل أجيالنا وطلّابنا. إذ أثبت التعليم الافتراضي رغم الحاجة إليه في ظروف كهذه، أنه لا يؤمّن استقراراً تربوياً، وأن المشكلة ليست في نسبة المشاركة إنما في نوعيتها، بمعنى أننا لا نستطيع تقييم طلابنا ومستواهم بشكل منهجي ودقيق. فبعض التلامذة لا يتفاعلون مع أساتذتهم في الحصص الافتراضية. كما أن القصف وتضرّر شبكات الاتصال وخوف الطلاب، كلّها عوامل تُخفّض قدرة التركيز لديهم ما ينعكس على مستواهم التعليمي اليوم وفي سنواتهم اللاحقة». طلابنا كما يقول «يعيشون التاريخ قبل أن يدرسوه. مؤلمٌ أن يكون مستقبلهم في مهبّ الحروب والصراعات. بتنا نحلم بحياة شبه طبيعية».