عندما تصدر أي تطمينات عن تجو بايدن يجب، بالضرورة، البحث عن القلق في الخلفيات وفي ما بين الأسطر والكلمات. فالرئيس الأميركي كان قد توقع، قبل ثمانٍ وعشرين ساعة، إعلاناً بوقف القتال في غزة ابتداءً من يوم الأحد (أمس)، ولكنه ربطه بما تقرره حركة حماس (ليحمّلها المسؤولية). ومن غير المنطقي أن يتحدث رئيس الدولة التي «تدير اللعبة»، في هذه الحرب العدوانية القذرة على القطاع، عن «احتمال» وهو المفترَض أنه صاحب القرار من الألف الى الياء، مهما كانت نسبة الاختلاف بينه وبين بنيامين نتانياهو مرتفعة فعلاً أو «مدروسة».
أما اللغم الثاني في كلام نزيل البيت الأبيض فهو أنه لن يزود الاحتلال بالأسلحة التي تتعامل مع المدن إذا استمر الإصرار على شن الحرب على رفح… وفي هذا الكلام كمٌّ كبير من النفاق المفضوح. فللوهلة الأولى قد يُؤخذ هذا القول على وقف إمداد الصهاينة بالأسلحة، ولكن السؤال الذي يطرح ذاته: مَن هي الجهة التي ستتأكد من أن جيش حرب العدو لم يتلقَّ هذا النوع من الأسلحة؟ وماذا يؤكّد على صدقية بايدن الذي ليس له من هَمٍّ في هذه المرحلة سوى تمديد إقامته في سدّة الرئاسة بولاية جديدة ليس مستبعَداً أن يختطفها دونالد ترامب من بين يديه؟
ذات زمن كان الرئيس الأميركي يأمر والإسرائيلي ينفّذ. ليس وحده فحسب، بل كان الفرنسي والبريطاني ينفذان معه، كما فعل الرئيس أيزنهاور في «حرب السويس»، يوم كانت باريس ولندن تهيمنان على المنطقة وقد شنّتا الحرب ومعهما الصهاينة على مصر إثر قرار تأميم القناة الذي اتخذه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينات القرن العشرين الماضي.
في أي حال، أي كلمة تصدر عن بايدن وأي موقف يعلنه وأي قرار يتخذه وأي حركة سياسية يقوم بها لن تكون إلّا في مقياس حملته الرئاسية.
وأمّا نحن، في لبنان، فالوضع في غزة يعنينا من نواحي كثيرة، إنسانية وتضامنية إلخ… ولاسيما من زاوية انعكاسه على جبهة الجنوب المشتعلة والمتصاعدة حماوة. وثمة حشد من الأسئلة في هذا السياق، قد لا يتسع لها المجال، أبرزها هو الآتي: لقد حسم حزب الله موقفه فقرر أن يوقف القتال ما إن يُوقَف في غزة، وهذا في مدار منطقي متوازٍ مع بداية خوضه «حرب المساندة والمشاغلة»، ولكن: ماذا لو أصرّ العدو على المضيّ قُدُماً في الحرب على الجنوب بل وتصعيدها وتوسعها؟