بفلسفة المقاومة تقول القاعدة إن تيئيس العدو هو هدف دائم والتراخي معه يرفع من توقعاته لتحقيق إنجاز… فلذلك المقاومة لا تتراخى مع “إسرائيل” لأن هذا الكيان بحسب الثقافة القرآنية كـ “الشيطان” يتمدّد شرّه بمقدار ضعف الإنسان ولا يملك قوّة ذاتية لأن كيد الشيطان ضعيف…
وعلى هذه القاعدة تُصعِّد المقاومة الإسلامية عملياتها بوجه العدو الصهيوني، ففي تطوّر نوعي ولأول مرة تَستخدم المقاومة مسيّرة هجومية مسلّحة بصواريخ “S5” عدد “2” تُغير على موقع صهيوني في المطلة ومن ثم تنقَض على الهدف المحدَّد لها، وهذا يُعتبر تطوّراً لافتاً في سياق الردع، بحيث ان دخول هذا النوع من الطائرات وكل ما سبق ذلك من عمليات نوعية كالاستخدام المكثَّف للمُسيّرات في استهداف تجهيزات القبة الحديدية، أعطت مؤشراً على نية المقاومة تعطيل قدراتها قبل أي تحوّل كبير في الجبهة.
الخطوات التصعيدية للمقاومة شملت استخدام الصواريخ البصرية (ألماس) ضد التجهيزات الصهيونية غير المرئية، بالإضافة الى العملية النوعية باستهداف قاعدة التحكّم بالمنطاد التجسسي في مستوطنة أدميت والتي تُعتبر ضمن مسار تصاعدي في انتقاء الأهداف واستكمالاً لإعماء العيون الإسرائيلية باستهداف المقاومة للتجهيزات التجسسية واللوجستية.
هنا أشار الإعلام الإسرائيلي الى هذا الأمر حين قال إن الانتقال من استهداف جبل ميرون المتخصِّص في الإدارة والاستعلام الجوي الى قصف مراكز المناطيد التي كان الإسرائيلي يعتبرها احتياطاً استراتيجياً بديلاً عن عيونه التي أعمتها المقاومة على الحدود الشمالية، يُشير الى إصرار حزب الله على استكمال حلقة التضييق الاستعلامي العسكري على جيش العدو، ومما زاد من جرعة الانتقاد الإعلامي لمصداقية الجيش الإسرائيلي، عرض فيديو المسيّرة التي أطلقت الصواريخ بعد تكذيب الجيش للعملية، حيث عبّر بعض الإعلاميين عن دهشتهم مما يجري في الشمال وتعمّدت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تحويل وزير الحرب الى مادة للتندّر بقولها: يبدو أن غالانت يهدِّد وحزب الله ينفّذ.
كل ذلك يأتي في سياق التصعيد التدريجي لتثبيت قواعد الردع، فالمقاومة تستخدم أسلوب فرض الهيبة المسبقة لتضييق دائرة المناورة أمام الإسرائيلي، وطبيعة الأهداف الاستعلامية مثل المناطيد والرادارات وقواعد التجسس حتى في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، تُعتبر رسالة توحي للعدو بالتمهيد لخطوات ميدانية أوسع، وهنا تفرض المقاومة الهيبة المسبقة… وهذا له وظيفتان:
الأولى: ردع العدو.
الثانية: التلاعب بالعقل العسكري الإسرائيلي، أي زيادة الشكوك حول نيات حزب الله.
ما يسعى العدو الى استعادته هو ترميم جدار الردع الذي بات غير قابل للترميم، لأن الجبهة الشمالية بالنسبة للوجدان الإسرائيلي هي الجبهة التي ستقضي على “إسرائيل” من أجل ذلك يجد الصهاينة أنفسهم أمام خيارين:
الأول: السكوت والاكتفاء بأدائهم الحالي وعدم توسعة الحرب وكأنهم يتفرّجون على تعاظم قوة المقاومة مقابل تراكم ضعفهم حتى فنائهم.
الثاني: توسعة الحرب بهدف منع تعاظم قوّة حزب الله كيلا يصلوا الى النتيجة نفسها من وجهة نظرهم ولكن في الواقع ستكون نفسها، لأنه في حال سار بهذا الاتجاه ستكون اللحظة التي يختار فيها الكيان “الانتحار”.
وبالتالي فإن عدم الرد ليس لمصلحتهم، والرد يُشكّل خطراً على وجودهم، حتى ولو كان في خيالهم أنهم يحتملون فيه علاج الخلل.
في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى القائد الشهيد مصطفى بدر الدين تحدّث بثقة عالية ويقين بالنصر وهدوء لافت يدفع باتجاه سؤال: هل هذا الهدوء الذي تحدث فيه السيد نصرالله كان بسبب اطمئنانه بتحقيق انتصار دون توسُّع الحرب أم لثقته بنتيجة الحرب إذا توسّعت؟ لعل كلامه عن غزة بهذا المجال ينطبق أيضاً على جنوب لبنان لناحية إذا أوقف الإسرائيلي الحرب اليوم (دون توسعة) يكون بذلك أعلن هزيمته وإذا (وسّع) يكون نصر المقاومة تاريخياً مع فارق أن هزيمة “إسرائيل” في القطاع تستطيع بعدها بمدة زمنية محددة ترميم قوَّتها أما إذا شنّت حرباً في الشمال فلا يمكنها تحقيق ذلك لأن جبهة جنوب لبنان حينئذ ستُهدِّد أصل وجود الكيان…