المراوحة سيدة الموقف في لبنان، فلا خرق على صعيد الداخل بالرغم من المبادرات الداخلية منها والخارجية، وكذلك لا خروقات على صعيد الجبهة الجنوبية وذلك بالرغم من كثرة الجعجعة التي لا ينتج عنها طحيناً، والجعجعة لمن فاتهم سيبويه تعني صوت حجر الرحى في المطحنة الفارغة الذي يدور بدون قمح وبالتالي فعبثاً ننتظر الدقيق، وهي خير توصيف لأولئك الذين يكثرون من الكلام الفاضي الذي لا طائل منه ولا جدوى، لا همّ لهم سوى الصراخ وإعلاء الصوت للدلالة على الوجود، فهم يدعون الناس للنظر إليهم رغم عبثية أقوالهم، وهم أشبه بجرائد فترة ما بعد الظهر إبان الزمن الجميل حيث لم يكن للنقل الحيّ والبث المباشر مكاناً لهما. وكانت هذه الجرائد تعنون على صفحتها الأولى أخباراً لا نجد لها محتوى إذا تصفحنا ما في داخل الصحيفة.
مبادرات الداخل اللارئاسية
فبالرغم من كثرة المبادرات التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف لا سيما بالنسبة لمقاربة الملف الرئاسي، تبقى هذه المبادرات مجرد تحركات تبغي التقارب أكثر مما تبغي الوصول إلى نتائج ملموسة على صعيد الرئاسة، وهي وإن كانت تشكّل إيجابية كبيرة على صعيد تعاطي المكونات السياسية مع بعضها البعض لا سيما لجهة تجميل التخاطب السياسي ورسم ضوابط له، ولما لا وضع قواعد اشتباك كما حال الإقليم فيبقى الخطاب ضمن الضوابط الحضارية بعيداً عن المهاترات السياسية ولغة الشتائم. إلّا أن هذه المبادرات تبقى بدون مردود على صعيد الرئاسة، وهنا يورد أكثر من مصدر مطّلع أن أية مبادرة لا ترقى إلى طرح الأسماء والاتفاق عليها تبقى محكومة بالفشل، إذ إن الجميع بات يعرف الأطر والمواصفات وما إلى هنالك من شروط وشروط مضادة، وكل ذلك يرد ذكره مراراً وتكراراً إن في خطب الجمعة ومواعظ الأحد على حد سواء، فرجال الدين، كل رجال الدين، متفقون على المواصفات ولكنهم مختلفون حول الأسماء. من هنا فإن النصيحة التي يمكن إبداؤها لكل المُبادرين هي ضرورة الدخول في لعبة الأسماء وإلّا فإننا سنبقى في إطار العموميات لا أكثر ولا أقل. من هنا لقد آن الأوان لإيجاد الصيغة أو الوصفة السحرية التي على أساسها يصار إلى طرح إسم أو أسماء لتدخل في البازار الانتخابي، فلا يكفي أن نعبّد الطرقات بين هذا المرجع أو ذاك بل المطلوب أن نجد التوليفة التي ينتج عنها الاتفاق على إسم أو أسماء معينة. قد تبدو هذه العملية من المستحيلات ولكنها تبقى في خانة الممكن لا سيما إذا وُجدت النيّة ووجد الشخص أو الأشخاص الذين يجيدون إيجاد التوليفة، نحن بحاجة إلى شخص شبيه لهنري كيسينجر الذي لعب دوراً محورياً بين الصين والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، وفي آخر لقاء صحفي له لمجلة «بوليتيكو» قال كيسينجر إن المشكلة بين روسيا وأميركا هي عدم وجود حوار ولا وجود لمحاور يفهم ما يريده الروس، فكم نحن بحاجة إلى كيسينجر لبناني يفهم ما يريده الرئيس بري من جهة ويفهم ما يريده الوزير باسيل وغيره من الزعماء اللبنانيين.
الجبهة الجنوبية مضبوطة الإيقاع
تبدو الجبهة الجنوبية وبالرغم من سخونة المعارك وعنف القصف الذي بدأ يطاول مناطق بعيدة المدى نسبياً، وبالرغم من «هدهد» الحزب الذي ذهب إلى ما بعد بعد حيفا، تبقى الأمور منضبطة ضمن قواعد الاشتباك المرسومة لها، فهدهد الحزب وإن جاء بصور للمنشآت العسكرية والاستراتيجية والمدنية على حد سواء، إلّا ان هذه المسيّرة بقيت في إطار المراقبة الجوية ولم تكن مسلّحة إلّا بكاميرات مراقبة شديدة الدقّة، ولذا فالهدف من المسيّرة هو إرسال رسالة واضحة إلى العدو الصهيوني مفادها أن «منشآتكم وقواعدكم هي تحت أعين المقاومة».
وبالرغم من قرع البعض للطبول فإن الحرب ليست في المدى المنظور وذلك لعوامل عديدة أهمها:
• أن العدو وإن كان يبغي شنّ حرب واسعة إلّا أن قدرته على ذلك ينقصها المعلومات الاستخبارية عن قوة وأسلحة المقاومة، فال «هدهد» قد يكون من ضمن أسراب من المسيّرات المختلفة، وأسلحة الدفاع الأرض-جو التي اختبرها الحزب قد تكون أشدّ خطورة في حال نشوب حرب.
• أن الظروف الدولية ليست مؤاتية للحرب إلّا في ذهن بعض المطبّلين الداخليين ويا للأسف الذين يبشّرون بها، والذين يكثرون من التصريحات والمقالات التي لن تجدي نفعاً