ما هي احتمالات اندلاع حرب واسعة على جبهة لبنان مع العدو الاسرائيلي ؟ في الآونة الاخيرة ارتفعت وتيرة الاهتمام بالوضع على هذه الجبهة مع تصاعد التهديدات “الاسرائيلية”، والرد الحاسم للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير، الذي شكل رسالة ردع وتحذيرا قويا للعدو، مرفقا بقرائن ميدانية غير مسبوقة.
ووفقا للمواقف والمعطيات الاخيرة، فان اندلاع مثل هذه الحرب امر وارد وغير مستبعد، لكن نسبة حصولها تراجعت في الايام القليلة الماضية بشكل ملحوظ، بعد ان تبين ان حملة التهويل “الاسرائيلي” تصطدم بحقائق ووقائع لا يمكن تجاوزها او تجاهلها.
ووفقا لمصادر مطلعة، فان اوساط حزب الله ما تزال تعتقد ان الحرب الواسعة مستبعدة وغير مرجحة حتى الآن، لكن حصولها ممكن كما عبّر السيد نصرالله. وترى ان المعطيات العسكرية والميدانية تؤشر الى عجز الجيش “الاسرائيلي” عن القدرة في تحقيق اهدافه من هذه الحرب.
ويلاحظ مصدر سياسي لبناني مطلع ان لهجة التهديد والتهويل “الاسرائيلي” بشن هجوم على لبنان تراجعت في الايام الثلاثة الاخيرة بنسبة ملحوظة، مشيرا الى نسبة اندلاع انفجار واسع على جبهة لبنان باتت اقل من السابق لاسباب عديدة ابرزها:
١- موقف ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، والضغوط التي تمارسها من اجل عدم اندلاع حرب واسعة على جبهة لبنان، لادراكها ان مثل هذه الحرب ستؤدي الى حرب اقليمية مدمرة، كما عبر وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن اول امس، بمناسبة زيارة وزير دفاع العدو يوآف غالانت الى واشنطن. وقال في هذا المجال ان الادارة الاميركية “تولي الاهمية للحل الدبلوماسي لوقف التصعيد على جانبي الحدود اللبنانية – الاسرائيلية”. وترافق ذلك مع ما نقلته الاذاعة “الاسرائيلية” نفسها عن مسؤولين اميركيين “ان ادارة الرئيس بايدن تشعر بقلق بالغ من ان كلا من “اسرائيل” وحزب الله يسيئان التقدير عندما يصعدان تهديداتهما العلنية وهجماتهما الميدانية على الارض معتقدين انهما قادران على تجنب حرب اقليمية”.
ووفقا لتقارير ديبلوماسية، فان وزير دفاع العدو شدد في لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين على طلب مزيد من الدعم على مستويين: الاول تزويد “اسرائيل” بشحنات اسلحة جديدة، والثاني تقديم ضمانات اميركية بتوفير الغطاء العسكري الكامل، لهجوم “اسرائيلي” واسع على جنوب لبنان. وتفيد التقارير ان المسؤولين الاميركيين جددوا التأكيد ان دعم الولايات المتحدة لامن “اسرائيل” ثابت ولا يتزحزح، كما عبر الوزير اوستن، لكنهم شددوا في الوقت نفسه على خطورة هذا الخيار، واكدوا على الحل الديبلوماسي.
2- انكشاف ادعاءات قادة العدو بان حرب غزة وصلت الى نهايتها تقريبا، فالمعارك متواصلة يوميا ليس في رفح فحسب، بل في وسط وشمال القطاع باعتراف الجيش “الاسرائيلي”. كما ان التقارير العسكرية للعدو تشير ايضا الى اعادة تنشيط الفصائل الفلسطينية لعملياتها في هذه المناطق. ويشار في هذا المجال الى ما ذكرته صحيفة “هآرتس الاسرائيلية”، بان حركة حماس تعيد بناء كتائبها المسلحة في المناطق التي انسحبت منها “اسرائيل”.
من هنا يرى المصدر السياسي اللبناني ان جيش العدو غير قادر على خوض حرب واسعة على جبهة لبنان في ظل استمرار حرب غزة، وان هذه الحقيقة لا يمكن ان يتجاهلها قادة العدو. كما ان الادارة الاميركية كانت نصحت سابقا المسؤولين “الاسرائيليين”، بان “اسرائيل” لا تستطيع ان تخوض الحرب على الجبهتين، وهي اليوم تعتقد ان هناك حاجة لوقف النار في غزة وفق ما اعلنه الرئيس بايدن، والعمل على الحل الديبلوماسي للوضع على الحدود بين لبنان و”إسرائيل”.
٣- تفاقم الخلافات “الاسرائيلية”، اكان بين القيادتين السياسية والعسكرية، او داخل المؤسسة العسكرية، او بين الاوساط السياسية. ويواجه نتنياهو حملة شديدة عكستها السجالات الحادة داخل “الكنيست” مؤخرا، او تصريحات عدد من القادة السياسيين وارتفاع الاصوات بوجهه من قبل مسؤولين محليين في الجليل، ما جعله يزور هذه المنطقة امس ، في محاولة لامتصاص النقمة والشكوى من قبل هؤلاء المسؤولين والمستوطنين.
٤- تحرك وساطة فرنسية بدعم اميركي لدى ايران، من اجل السعي لخفض التصعيد على جبهة لبنان، وتفادي انفجار واسع على هذه الجبهة.
٥- الخسائر والاضرار الكبيرة التي تعرض لها الجيش “الاسرائيلي”، لا سيما على صعيد تضرر القبة الحديدية في الشمال بنسبة ملحوظة، ما يجعل مواقعه مكشوفة اكثر لصواريخ ومسيرات حزب الله. وفي هذا المجال قالت وسائل اعلام “اسرائيلية”: “ان قواعد الجيش والصناعات الدفاعية والبنى التحتية ، ستكون هدفا رئيسيا لصواريخ حزب الله الدقيقة والطائرات من دون طيار الشديدة الانفجار”.
ويخلص المصدر السياسي الى القول ان هذه الاسباب تشكل عوامل لاستبعاد اندلاع حرب واسعة على جبهة لبنان مع العدو، لكن مثل هذا الاحتمال يبقى واردا في ظل وجود حكومة “اسرائيلية” متطرفة على رأسها نتنياهو، الذي برهن انه مستعد للقيام باية مغامرة للاحتفاظ بموقعه على رأس السلطة في الكيان “الاسرائيلي”. لكن المصدر يشير في الوقت نفسه الى ان هناك تحذيرات اقليمية ودولية من لجوء “اسرائيل” لمثل هذه المغامرة، وابرزها دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المجتمع الدولي الى تنبيه “اسرائيل” للآثار المدمرة لامتداد الحرب الى لبنان. وكذلك ما نقلته وكالة “فرانس برس” امس بان الامم المتحدة حذرت من “ان اتساع الحرب الى لبنان يمكن ان يكون مروعا”.