IMLebanon

خشية إسرائيل من الفشل ومواجهة «النحس اللبناني»

 

سبق أن صرَّح المبعوث الرئاسي الاميركي أموس هوكشتاين والمكلف بضبط ايقاع الاشتباكات بين اسرائيل وحزب الله، بأنه تراوده هواجس يومية حول ارتكاب احد الطرفين «سوء تقدير او خطأ».. كإصابة اوتوبيس مليئة بالاطفال او اصابة هدف مدني، وأن يسبب ذلك احد الطرفين المتواجهين بالدفع نحو حرب واسعة، وذلك بالرغم من ادراكهما بأن الحرب لن تكون لصالح اي منهما؟

وجاءت المفاجأة التي تخوّف هوكشتاين من حدوثها يوم السبت الماضي، حيث اصاب صاروخ ملعباً لكرة القدم في قرية مجدل شمس على هضبة الجولان، والذي تسبب بمقتل 12 مواطناً درزياً، معظمهم من الاطفال، وجرح آخرين.

 

تدّعي الحكومة الاسرائيلية بأن حزب الله قد اطلق الصاروخ من منطقة شبعا، في المقابل ينفي حزب الله اية مسؤولية عن اطلاق هذا الصاروخ. ولكن نفي الحزب لم يمنع اسرائيل من الاصرار على تحميله المسؤولية الكاملة عما حدث، وتوعُّد كل القيادات الاسرائيلية السياسية والعسكرية بالرد العسكري الحاسم على تجاوز الحزب لكل الضوابط التي اعتمدت في الاشتباكات المستمرة منذ ما يزيد على فترة تسعة اشهر.

وكان اللافت في احتدام اجواء المواجهة بين الطرفين مسارعة وزير الخارجية الاسرائيلي اسرائيل كاتس الى التبشير باقتراب برهة الانزلاق الى حرب واسعة مع حزب الله، وذلك عبر مقابلة تلفزيونية في اعقاب سقوط الصاروخ «القائه» على مجدل شمس.

 

كانت المفاجأة الكبرى من قبل المسؤولين الاميركيين، حيث اكدت دوائر البيت الابيض ووزير الخارجية انتوني بلينكن بأن الصاروخ قد اطلق من لبنان، كما اعربوا عن تأييدهم لحق اسرائيل في الدفاع عن مواطنيها، ولكن دون ان يتسبب ذلك بالانزلاق الى حرب مفتوحة.

لم يتعد الموقف الاسرائيلي بالرد بعد اجتماع مجلس الوزراء الامني يوم الاحد الماضي، توعد حزب الله بضربة قوية، لا يمكن ان ينساها لزمن طويل، ولكن لم يترجم هذا التهديد على ارض الواقع، كما انه لم تتوافر اي معلومات عن طبيعة الرد الاسرائيلي على لبنان وحزب الله. وكان من الطبيعي ان يدفع تأخر الرد المتوقع بعض اركان المعارضة الاسرائيلية، ومن بينهم رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت باتهام نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بالتقاعس في واجباتهما باستعجال الرد العسكري.

 

في ظل هذه التطورات المشؤومة والمفاجئة، يبدو بوضوح بأن كل الجهود الاميركية والدولية لمنع حدوث اي انزلاق نحو حرب واسعة بين اسرائيل وحلفاء ايران في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله قد باءت بالفشل، من خلال اطلاق صاروخ واحد على مجدل شمس في الجولان المحتل.

بالرغم من تأخر الرد الاسرائيلي المنتظر فإن كل القراءات تقود نحو التخوف من تفلت الوضع على الجبهة اللبنانية، وان يتسبب اي عمل عسكري اسرائيلي واسع ضد حزب الله ولبنان، بتوسيع عمق الاشتباك وبلوغه الضاحية او بيروت، وبما يفتح الباب لدخول اطراف ايرانية اخرى على الجبهة الشمالية، مع احتمال دخول ايران مباشرة كطرف في هذه المواجهة، وبما ينذر بحرب واسعة تهدد بمشاركة الولايات المتحدة فيها الى جانب اسرائيل. وهذا ما تخشاه القيادات الاميركية بالذات.

في مراجعة لتطورات الوضع على الجبهتين اللبنانية والسورية، ولمسؤولية اسرائيل المباشرة لمقتل قياديين في حزب الله ولمقتل قياديين بارزين من الحرس الثوري الايراني في دمشق، فإنه امكانه تجاوز مخاطر الانزلاق الى حرب اقليمية، ولكن لا يمكن القياس على ذلك لتوقع امكانية الحفاظ على «الستاتيكو» القائم على الخط الازرق. لقد تحوّلت مشكلة النزوح للسكان على جانب الحدود الى معضلة تتطلب حلاً شافياً ونهائياً. وهذه المشكلة بالذات تشكل ضغطاً قوياً على حكومة نتنياهو، وبما يدفع الاوضاع نحو مزيد من التوتر وبالتالي الدفع نحو حدوث مواجهة واسعة، غير محسوبة النتائج، خصوصاً في ظل اصرار الحكومة الاسرائيلية للبحث عن حل دائم لمعضلة التهجير في الشمال، من خلال دفع حزب الله على اخلاء الشريط الحدودي والانسحاب الى شمال مجرى نهر الليطاني، ويرفض حزب الله هذا الطلب الاسرائيلي جملة وتفصيلاً، في المقابل تصر اسرائيل على رفض اي حل مؤقت لهذه المعضلة، يمكن توصيف حالة التوتر الراهنة بانتظار حدوث الرد الاسرائيلي على صاروخ مجدل شمس، مع وجود مخاوف عديدة لدى اللبنانيين من استهداف اسرائيل لمجموعة من البنى التحتية الاساسية، بما فيها مطار بيروت، الامر الذي انعكس سلباً على حركة المطار وذلك بعد ان علقت كل شركات الطيران الاجنبية رحلاتها الى لبنان، وطلب السفارة الاميركية وعدد من السفارات الاوروبية بالاضافة الى السفارة السعودية من مواطنيهم مغادرة الاراضي اللبنانية باسرع وقت ممكن.

في رأينا لا يمكن توقع تراجع اسرائيل عن تنفيذ تهديدها بتوجيه ضربة قوية وموجعة لحزب الله، ولكن مع التجاوب مع التحذيرات والضغوط الاميركية بتفادي الدفع نحو حرب واسعة. ولكن هناك محطات واحداث تاريخية تثبت امكانية الذهاب الى الحرب، حتى ولو لم يسعَ اليها اي من الاطراف المتواجهة، ولذلك لا بد من التحسب لامكانية حدوث تطورات دراماتيكية في حالة الشك الراهنة المسيطرة على قيادات اسرائيل وحزب الله.

تدعو الواقعية السياسية الى التشكيك بالرواية الاسرائيلية حول مسؤولية حزب الله عن قصف مجدل شمس بقصد ارتكاب مجزرة بحق اطفالها. وان العقلانية تدعو الى التبصّر بما صرح به وليد جنبلاط وتشكيكه بالرواية الاسرائيلية. ولا بد انتظار فترة من الزمن لتوافر ما يكفي من معلومات تؤشر الى الجهة المسؤولة عن هذه المجزرة في هذا الوقت يذهب بعض الخبراء الاميركيون الى اعتبار ان الصاروخ قد اطلق ضد موقع اسرائيلي عسكري يبعد عن مجدل شمس ما يقارب ما يزيد قليلاً عن كيلومترين من البلدة، ولكنه اضل الطريق عن اصابة الهدف نتيجة خطأ في التصويب او نتيجة خطأ فني او باليستي، وهذا الامر ممكن الحدوث عسكرياً.

في ظل المساعي الاميركية الضاغطة على اسرائيل لمنع التصعيد وبلوغ درجة الذهاب الى حرب واسعة، يبدو بأن تأخير الرد الاسرائيلي قد يرتبط بدراسة وانتقاء اهداف وقوة الرد، وذلك ضمن البحث عن الحد من الخسائر بين المدنيين اللبنانيين. ولا بد ايضاً من الاخذ بعين الاعتبار معارضة القيادات العسكرية الاسرائيلية لافكار نتنياهو التصعيدية وذلك خوفاً من اندلاع حرب في وقت باتت معظم القوات الاسرائيلية الضاربة منهكة جواً وبراً بفعل الحرب الضارية المستمرة في غزة منذ اكثر من عشرة اشهر.

في النهاية لم تكن اسرائيل موفقة ولم تخرج منتصرة في اي من الحروب التي شنتها على لبنان، خوفاً من تكرار تجربتها الفاشلة والمتكررة.