IMLebanon

إسرائيل تحرجُ محور المُمانعة لزجِّه في حرب غير متكافئة

 

 

 

الكل مجمعٌ على أن منطقة الشرق الأوسط منذ عملية طوفان الأقصى تتقلَّبُ على صفيح بركان ناشِط، ومستوى غليانه آخذٌ في تَصاعُد مُضطرد، وبالتالي هي عَرضة للإنفجار في أيَّةِ لحظة، والإنفجار المُرتقبُ سيغيِّرُ وجه المنطقةِ، ولن يعود الاستقرارُ إليها إلَّا بإعادةِ رسمِ خريطتها الجيوسياسيَّةِ وفق توازناتٍ جديدةٍ، تُرسيها مُرتكزاتٌ تختلف اختلافاً جوهريًّا عن المُرتكزات التي كانت تحكمها قبل اندلاع الصِّراع الحالي؛ ومخطئ كل من يرى أن ثمَّةَ صفقاتٍ يُحضَّرُ لها من تحت الطَّاولة ما بين أميركا وإيران، لوأد الحربِ قبلَ تَفلُّتها من الضَّوابطِ التي لم تزل تحكُمُها برضىً من الطَّرفين المُتصارعين، أي إيران ومن خلفها المنظمات التي تدور في مِحورها المُمانع من جهة، ومن جهة أخرى الكيان الإسرائيلي ومن خلفَه الغرب الاستعماري.

يتميَّزُ الصِّراع الدائر لغايَةِ اليوم في كونه يجرى على جبهاتٍ مُختلفةٍ بنمطيَّةٍ مضبوطة، وإن تكن تَصاعديَّة، إلَّا مآلهُ الحتمي إلى حربٍ مَفتوحَة، من حيث الجغرافيا أو نوعيَّةِ الأسلِحةِ المُستعملة. ونُقطةُ التَّحوُّلِ الأساسِيَّةِ لا شكَّ تمثَّلت في حادثِ اغتيال رئيس المكتب السياسي لمنظَّمة حماس «إسماعيل هنيَّة» في قلب العاصِمَةِ الإيرانيَّة، والذي جاء بُعيد اغتيال الرَّجُل الأول في البنيان العسكري لحزبِ الله فؤاد شكر في عقر دار حزب الله، وبينهما استهداف كوادر من سدنة المُسيَّراتِ في حزب الله العراقي والذين استهدفوا في بابل منطقة حجر الصَّخر، وقد سبق ذلك قصف الحديبة والذي استهدف مينائها ومصفاة النَّفطِ فيها.

 

العمليَّاتُ المشار إليها لم تأتِ في سياقِ الأعمال القِتاليَّةِ على الجبهات، ولم تستوجبها ضروراتٌ ميدانيَّة، إنما جاءت عن سبق إصرارٍ وتصميم كأهدافٍ مدروسةٍ بغضِ إحراجِ الأعداء وجرِّهم إلى آتون حربٍ مفتوحة، وما يؤكِّدُ ذلك كون التَّنفيذ جاء مُباشرةً بعد زيارةٍ رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي للولاياتِ المُتحدَةِ الأميركيَّة التي حظيَ فيها بترحيب لافت، ويبدو أنه لاقى دعماً وتشجيعاً على المُضي قُدُماً بخياراتِه العسكريَّةِ بعد أن نجحَ في إقناعِ الإدارةِ الأميركيَّةِ بوجوبِ جرِّ إيران إلى حلبةِ الصِّراع أو نقل جزء من المَعركةِ إلى عُقر دارِها، باعتبارها رأس الأفعى، كما وصفها في خطابة أمام الكونغرس الأميركي، وصوَّرَ لهم أن إسرائيل في حربها الدَّائرة مع إيران وأذرُعها لا تُدافعُ فقط عن نفسها إنما عن مصالِحَ الغرب.

 

حالةُ الإنتشاء التي بدا نتنياهو مأخوذاً بها ليست بسبب تمكُّنِهِ من النَّيلِ من هنيَّة أو فؤاد شكر أو تدمير ميناء الحديدةِ ومصفاتها النَّفطيَّة ولا من استهدفهم في بابل «جرف الصخر»، إنما مردُّها لكونه نجحَ في إقناع المسؤولين الأميركيين بضرورة تحوُّل أميركا من مُجرَّد داعِم معنوي ولوجستي لإسرائيل إلى شريك حقيقي يخوض الحرب إلى جانبها، وكذلك بإطلاق يَده في تنفيذِ ما يراه مُناسِباً بعد أن كان مضطرًّا للمناورةِ واستغلال حالة الضَّياعِ التي تعيشها الإدارة الأميركيَّة خلالَ الفترة الانتخابيَّة، والتي يبدو أنها تخلَّصت من تردُّدِ خياراتها بمُجرَّدِ تنحي الرئيس بايدن عن السير قدماً في الانتخابات الأمرُ الذي حرَّره من استرضاء الناخبين من أصول عربيَّة، وأصبحَ بإمكانه الاستجابةِ للرَّغبات الصَّهيونيّة.

 

إيران التي فوجئت بحجم الدَّعم الغربي الذي حظيَت به إسرائيل بُعيدَ طوفان الأقصى تُدركُ أنها أضحت المُستهدف الأول بالحشودات العسكريَّة غير المسبوقة، وأنها قد تكون عُرضةً هي ومحورها الممانع لمواجهةِ حِلفٍ صهيو-غربي بالتَّأكيد لن تكون قادرةً على مُجابهتِه، لاختلال موازين القوى عسكريًّا ولوجستيًّا، لذا سعت منذ البدء ولم تزل تسعى لإبقاء نفسها بعيدةً عن حلبةِ الصِّراعِ مُكتفيةً بتوفير الدَّعم المعنوي والعسكري لأذرُعها، وهي تعي أن إسرائيل تسعى ومنذ ما قبل طوفان الأقصى إلى إقناع الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة بضرورةِ ضرب مشروعها النَّووي، وأنها ترى الوقت مناسباً اليومِ لجرّ الولاياتِ المُتحدةِ الأميركيَّةِ إلى مواجهةٍ مباشرة معها، للقضاء على برنامَجها النَّووي كما على صناعاتها العسكريَّةِ في مَجالي الصَّواريخ البالستيَّةِ والمُسيَّراتِ الجويَّةِ والبحريَّة. وإيرانُ ترى نفسَها كما شركائها الممانعين أنهم أضحوا مُحرَجين وأن لا مفرَّ من الرَّدِّ على الاستهدافات الأخيرَةِ لما للمستهدفين من رمزيَّة كما لخُصوصِيَّةِ الجغرافيا التي نُفِّذت فيها.

مرشدُ الثَّورة في إيران لم يتأخَّر في الإعلان عن اتِّخاذِ قرار بالثَّأر، وعلى منواله جاء إعلان كل من زعيم حزب الله، وزعيم الحوثيين، وكبار المسؤولين عن الحشد الشَّعبي، لأنهم جميعاً يُدركون أن مصداقيَّتهم أضحت على المحك، وأنه لم يعد بمستطاعهم، استيعاب الاستفزازاتِ الإسرائيليَّةِ المُهينة؛ كما أكَّدَ كل منهم على أن الردود ستكون مُتناسقَةً في ما بينهم، ولكن بردٍّ مدروس، وهذا ما يُبرِّرُ التَّأخُّرُ في الرَّد، هذا بالإضافةِ إلى أن التَّأخير ينطوي على إرباك العدو ويرهقُ وحداته القتاليَّة المُكلَّفةِ بالتَّعامُلِ مع المُسيَّراتِ والصَّواريخ المتوقَّع إطلاقها باتجاه إسرائيل من مُختلفِ الجبهات.

زادت التَّهديداتُ الثَّأريَّةُ العاليةُ السَّقفِ التي يطلِقها رموزُ مِحور المُمانعةِ كما الردود الإسرائيَّلية عليها من حالةِ التَّوتُّرِ إلى حد يوحي وكأنَّ الصِّراع على وشك التَّحول إلى حرب مفتوحة، ويعزِّزُ هذه الفرضيَّة حشوداتُ الأساطيل الغربيَّة، ونشر الدِّفاعات الجويَّة على امتداد منطقةِ الشَّرق الأوسط.

كل ذلك يثير المزيد من التَّساؤلات حول مآل الصِّراع في منطقة الشَّرق الأوسطِ، وخاصَّة في ظِلِّ تعنِّت رئيس الكيان الإسرائيلي في رفضه لجميع الطروحات التَّفاوضيَّة بما في ذلك طروحات حليفه الأميركي وتأكيده على أنه سيُرَدُّ بقساوةٍ على أي قصف تتعرَّض له إسرائيل أيًّا كان مصدرُه؛ ولم يسقط فرضية القيام بضربة استباقية، فهل المنطقةُ على وشك اندلاع حرب إقليميَّةٍ شاملة، أم يمكن تهدئةِ التَّشنُّجاتِ وإبقائها الأمور ضمن الإطار المَضبوط على غرار ما حصلَ بعد استهدافِ القنصليَّةِ الإيرانيَّة في سوريا والرَّد عليه؟ وثمَّة تساؤل آخر مكمِّل للأول، من يضمن، عدم إقدام إسرائيل على ارتكاب اعتداءات واغتيالات أخرى اشدٌّ إيلاماً لمحور الممانعةِ مِما ارتكبته مؤخَّرا، وإن لم يتعدَّ رد محور الممانعَةِ إطار حفظ ماء الوجه؟

في الواقع، ليس من شكٍّ في أن قادةَ إسرائيل متلهفون لفتحِ الحربِ على مِصراعَيها، وضربِ القُدراتِ القتاليَّة لإيران وأذرعِها، وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر البشريَّةِ والماديَّةِ في الدُّولِ التي هي في حالةِ صراع معها، وأنها لن تألوا جهدًا لزجِّ كل من إيران والولايات المتحدةِ في مواجهةٍ مُباشرة تشاركُ فيها في ضرب المنشآت الحيويَّةِ داخل إيران للإقتصاص منها؛ والولاياتُ المُتَّحدةُ والغرب من خلفها أمسوا مُقتنعين بضرورةِ ضربِ إيران، باعتبارها تقفُ خلف جميع القلاقل الإقليميَّةِ والمسبِّبةِ لحالةِ عدمِ الإستقرار في منطقة الشَّرق الأوسط، وأنه لا مفرَّ عاجلاً أم آجلاً من تقويضِ قدراتها العسكريَّة وفك الارتباطِ العسكري بينها وبين أذرعها، وإرغامها على التَّخلي عن سياساتها التَّوسُّعيَّة، والاختلاف الوحيد بين إسرائيل وحلفائها يكمنُ في تَوقيت التَّحول من صراع مضبوط إلى حرب مفتوحة متفلِّتة، والذين يفضّلون تأجيله لما بعد الانتخابات الأميركيَّة. في المقابل تسعى إيران جاهدةً لتلافي جرَّها إلى الحرب للنجاة بمشروعها النَّووي، ولمزيدٍ من التَّطوير في صناعاتها العَسكريَّة – الإستراتيجيَّة، لذا تراها تفضِّلُ إبقاء الأعمال القتالية مَحصورَةً ما بين أذرعها وإسرائيل إلى أن توقف الأخيرةُ حربها على غزَّة.

ونخلُص للقولِ بأن الحرب التي كان طوفانُ الأقصى شرارتها لن تضع أوزارها إلَّا بعد حرب ضروس ما بين إسرائيل وصهيونيو الغرب من جهة ومحور الممانعة المتموضع تحت العباءة الإيرانيَّة من جهةٍ أخرى، يُسفرُ عنها تغيير جذري في التَّوازنات القائمة حاليًّا، وإحلال توازن يقوم على مرتكزات جديدة يخدمُ التَّطلعات الإسرائيليَّة، تلحظُ تحرير البحر الأحمرِ من القبضَةِ الإيرانيَّة – الحوثيَّة، ولن تكون لِصالِح لا إيران ولا الدول العربيَّة بما فيها تلك التي وقفت مُتفرِّجةً على إبادةِ الشَّعبِ الفلسطيني في غزَّة.