أظهر الردّ الصاروخي لحزب الله ليل الأحد، كـ«دفعة على الحساب»، أن الضربات التي وجّهها العدو الأسبوع الماضي لم تؤثّر في إرادة القرار لدى المقاومة، على خلاف ما كان يطمح ويراهن عليه، بالتأثير في حسابات قيادة حزب الله وتقديراتها للتراجع عن مواصلة إسناد غزة، أو على الأقل الإقدام على خطوات ما إلى الوراء تشكل مؤشراً إلى هذا الاتجاه لاحقاً. إلا أن المواقف الحاسمة للحزب وردّه الميداني أظهرا أنه ماضٍ في خياراته أياً كانت العواقب والتضحيات والتداعيات، وأن منظومته القيادية تحافظ على تماسكها وصلابتها وحكمتها حتى في ذروة الضغوط العسكرية والنفسية.الردّ وما توعّد به نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أظهرا أيضاً أن الحزب لا يزال يحافظ على منظومة القيادة والسيطرة، كذلك على خلاف ما راهن العدو على تحقيقه من خلال سلسلة الاعتداءات غير المسبوقة (بدءاً بمجزرتي الـ«بايجر» واللاسلكي)، لإرباك الأداء العملياتي بما يمنح العدو تفوّقاً يمكن توظيفه في رفع منسوب الضغوط.
شكَّلت هذه المحطات ورهاناتها ونتائجها مناسبة لتظهير بعض ما يتمتّع به حزب الله من صلابة ومرونة في آن، وأظهرت قدرة استثنائية على الاستيعاب والتكيّف ستكون موضع دراسة وتأمل لدى خصومه وأعدائه. وعلى المستوى العملياتي، أظهرت الدفعات الصاروخية أن كل الحملة الجوية التي نفّذها العدو لم تنجح في إرباك قدراته العملياتية، وأن العدو يعاني فعلياً من محدودية استخبارية على مستوى الميدان، وفقد عنصر المفاجأة الميدانية والتكتيكية الذي كثيراً ما كان ولا يزال يراهن عليه.
من أهم ما تمّ اختباره في الأيام الماضية، أيضاً، أن بيئة المقاومة أظهرت التفافاً حولها وتفانياً قلّ نظيره وأنها تزداد صلابة مع التحديات، وهو من أهم العوامل والمؤشرات التي تكشف عن اتجاه هذه المعركة وآفاقها.
ومن الرسائل المهمة التي كشفتها الأيام الماضية أيضاً أن العدو أصبح أكثر إدراكاً لخيبته مما افترضه أوراقاً يمكن استخدامها كخيارات حاسمة في المنعطفات المفصلية. ولذلك، يمكن القول إن العدو، بعد مجزرتي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وجد نفسه أمام محطة جديدة على مستوى القرارات، لذلك أتبعهما بخطوات عدوانية لاحقة، على أمل أن يحقق تراكم الضغوط وتسارعها شيئاً ما في هذا الاتجاه.
لكن، بعد الدفعات الصاروخية، باتت المعضلة محكمة الإغلاق انطلاقاً مما حملته معها من رسائل تشير إلى آفاق هذه المعركة، بما بات معه العدو في ضوء ذلك، أمام مروحة خيارات:
– إن تراجع – وهو ليس في هذا الوارد حتى الآن – ووافق على وقف العدوان على غزة، سيشكل ذلك هزيمة مدوّية له، تسبّب بها لنفسه عندما أصرّ على عدم التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس.
العدو أمام التراجع أو التكيّف مع الاستنزاف أو تصعيد يطاول عمقه الداخلي
– وإن عاد وتكيّف مع منسوب الاستنزاف الذي كان قائماً ولا يزال، سيكشف ذلك محدودية خياراته ويساهم في تقويض صورته الردعية. وهذا مسار سيساهم أيضاً في استمرار تآكل هيبة إسرائيل وصورتها الإقليمية، ومن ثم العودة ولو لاحقاً إلى تسوية بحسب ثوابت حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة.
– وإن أصرّ على مواصلة التصعيد بالمنسوب الذي نشهده، فقد شكّلت «الوجبات» الصاروخية التي أطلقها حزب الله باتجاه قاعدة رمات ديفيد ومنشآت «رفائيل» (سلطة تطوير الوسائل القتالية) مؤشراً إلى أن قواعد الاشتباك في الرد على اعتداءاته قد تغيّرت، وأنه سيُقابل بردود تصاعدية تراكمية متواصلة، ستكون ساحتها عمقه الاستراتيجي، وستكون أهدافها وأدواتها ووتيرتها وفق الإيقاع الذي تحدده قيادة حزب الله.
في الخلاصة، العنوان الأكثر تعبيراً عن واقع المشهد الميداني وآفاقه هو «الحساب المفتوح» الذي أطلقه حزب الله على المرحلة الجديدة التي دخلتها المعركة. وهو عنوان يجمع بين طياته مروحة من الخيارات المفتوحة يواصل فيها حزب الله جبهة الإسناد والمواجهة، بالتوازي مع خيارات مفاجئة «من خارج الصندوق»، يُصفّي من خلالها حساباته مع العدو «من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون». وهذا ما يفرض مواكبة لكل محطة يمكن أن تتحوّل إلى منعطف في هذا الاتجاه أو ذاك. وبالإجمال، يمكن القول فعلاً إن المرحلة الجديدة التي دخلتها المعركة بين حزب الله وكيان العدو ستكون لها تداعياتها أيضاً على مستوى تقديرات وخيارات القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب وواشنطن.