تستمر المواجهة فوق حافّة الهاوية عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بين «حزب الله» وجيش الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن تملك اي جهة القدرة على حسم وجهتها، تصعيداً أم احتواء، وسط أرض متحركة.
مع استمرار العدوان على غزة وارتفاع حرارة الميدان في الجنوب، توحي المواجهة العابرة للحدود على الجبهة اللبنانية أنها قابلة في اي وقت للخروج عن السيطرة والتدحرج نحو الحرب الكبرى، خصوصاً اذا افرزت الدينامية الميدانية تطورات عسكرية غير محسوبة.
ولئن كان «حزب الله» قد زاد خلال الأيام الأخيرة، الأحد وخصوصا الماضي، جرعات الاستهداف لمواقع الاحتلال، كَمّاً ونوعاً، سواء على امتداد الواجهة الحدودية او في داخل الجليل، الا ان هذه الردود ليست اعتباطية. وبالتالي، لا يمكن فصلها، في احد وجوههها، عن إصرار الحزب على توجيه رسالة قاسية الى قوات الاحتلال الاسرائيلي بعد استشهاد 7 من عناصره في سوريا و4 مدنيين في جريمة عيناتا (الشقيقات الثلاث وجدتهنّ)، الى جانب حرصه على مواكبة إيقاع المعارك في غزة بالشكل المناسب الذي يتلاءم مع طبيعة اللحظة ومقتضياتها.
وقبل هذه وتلك، تعكس الضربات الموجعة التي تلقاها جيش الاحتلال اخيراً حُسن اقتناص مجموعات المقاومة للفرَص التي تتوافر في الميدان بعد رصد دقيق ومراقبة دؤوبة، وكأنّ الحزب يريد إفهام العدو بأنه لن يتردد في إيذائه وإيلامه كلما سنح المجال، رداً على ارتكاباته واعتداءاته التي انتهكت الخطوط الحمر.
لا يعني هذا الخط البياني التصاعدي للوقائع العسكرية جنوباً، وفق المطلعين، انّ هناك قرارا مستجدا لدى «حزب الله» بالذهاب الآن نحو الحرب الكبرى، وإن يكن في الاستعداد والجهوزية الكاملة لخوضها متى أصبحت مفروضة.
والأرجح كذلك، انّ الكيان الاسرائيلي، وعلى رغم من «هوبرة» بعض قادته، ليس في صدد خوض معركة شاملة مع الحزب حالياً بينما هو يتخبّط في رمال غزة المتحركة، إضافة إلى أنه يعرف جيداً ما الذي ينتظره في لبنان.
ويبدو انّ واشنطن تحاول بدورها لجم اي «شَطط» إسرائيلي في هذا الاتجاه، لمعرفتها أنّ عصف الحرب الكبرى سيصيب مصالحها وقواعدها في المنطقة، وهي المُنشغلة اساساً في النزاع مع روسيا في اوكرانيا، ومع الصين في أكثر من ساحة دولية.
واذا كانت المواجهة لا تزال تحت السيطرة حتى الآن، غير انّ الحزب مهتم في الوقت نفسه بأن لا يفهم الكيان الاسرائيلي وحليفه الأميركي عدم الاستعجال للانخراط في حرب شاملة وكأنّه رضوخ للتهديدات والتحذيرات وقبول بتقليم «أظافر» الجبهة الجنوبية.
واستطراداً، فإنّ الحزب يتفادى ان يتحول السجال العسكري على الحدود نوعاً من الروتين الذي يألفه العدو ويركن اليه، ولذا لا تتورّع المقاومة عن الاستمرار في ابتكار أشكال مختلفة من المواجهة عبر تنويع الأسلحة والعمليات، بعيداً من القوالب الجامدة، وذلك تبعاً لمتطلبات الظرف.
ويكشف العارفون انّ هناك ما يشبه التفويض الممنوح من السيد حسن نصرالله الى مجموعات المقاومة المنتشرة على الجبهة للتصرف التلقائي وأخذ المبادرة في مهاجمة أهداف معادية، وفق ما تُمليه الاعتبارات الميدانية المحض، من دون الرجوع إليه بالضرورة في كل مرة لاتخاذ القرار، خصوصاً انه قد يحصل احيانا ان لا يكون موجودا على السمع او يكون هامش الوقت بين تَوافر الهدف والقرار المطلوب ضيّقاً، وهذا ما يفسّر معادلة «الميدان يتكلم» التي أشار اليها الامين العام لـ»حزب الله» في خطابه الأخير.
وبناء عليه، فإنّ عناصر الحزب الذين يراقبون كل شاردة وواردة في شمال فلسطين المحتلة، لا يراجعون القيادة في الضاحية الجنوبية عند تنفيذ كل ضربة، بل يبادرون فوراً الى توجيهها عندما يلوح لهم «صيد» مناسب، طبعاً تحت سقف التوجيهات العريضة التي تكون القيادة قد حدّدتها مسبقاً.
وما عزّز الحاجة إلى استعمال مثل هذا التكنيك «البراغماتي» هو ان ضرورات الحماية تُحتّم احياناً تفادي إجراء اي نوع من الاتصالات مع عناصر المقاومة المرابطين في مواقع متقدمة على الحدود، سعياً الى الحؤول دون أن يلتقط الاحتلال اي إشارة قد تسهّل عليه استهدافهم.
واللافت، انّ كل ما ظهر على سطح الصفيح الساخن، حتى اليوم، لا يشكل تِبعاً للعارفين سوى نسبة ضئيلة جدا من القوة النارية التي يملكها الحزب، وهذا ما لمّح اليه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حين لفتَ قبل يومين إلى ان «العدو يعرف اننا لم نستخدم كل أوراقنا بعد»، فهل سيضطر الحزب الى استعمالها ام انّ مقدار مشاركته في هذه المرحلة سيَفي بالغرض؟