IMLebanon

إسرائيل قد تبادر إلى التفجير لا «حزب الله»

 

 

حتى الأيام الأخيرة، ساد انطباع عن أنّ لبنان سيبقى في منأى عن الحرب، لأن «حزب الله» يتجنّب هذه المغامرة. لكن إصرار الإسرائيليين على تدمير غزة وتهجيرها بدأ يوحي باحتمالات أخرى. فهل بدأوا التعاطي مع الحرب في اعتبارها فرصتهم لتفجير شامل، يتمدّد إلى الضفة الغربية ولبنان، ويُشعل حرباً تغيّر الشرق الأوسط، وفق تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

في نظر عدد من الخبراء، انّ إصرار إسرائيل على مواصلة التدمير المُمنهج في غزة حالياً، بات واضح الأهداف. فهو يهدف إلى إنضاج مخططات نائمة يُراد منها تصفية القضية الفلسطينية.

ففي شكل مباشر، أعلنت إسرائيل عزمها على إحداث «ترانسفير» سكاني من القطاع إلى سيناء، ليتم تشكيل كيان فلسطيني يتمتع بمقومات إدارية على غزة وبقعة من سيناء، ولكن من جيش.

وعلى خط موازٍ، تعمل إسرائيل لتحقيق هدف مماثل في الضفة الغربية، هو «الترانسفير» إلى الأردن، حيث أعلن عدد من الساسة والخبراء الإسرائيليين عن رغبة في إيجاد حل لمستقبل النزاع، من خلال اتحاد كونفدرالي فلسطيني- أردني. ووفق هذا التفكير الإسرائيلي، يتم لاحقاً ربط غزة والضفة الغربية بطريق سريع، من أجل الإيحاء بأنّ الفلسطينيين في الكيانين الموعودين قادرون على التواصل في ما بينهم. وتالياً، يوحي الإسرائيليون للمجتمع الدولي بأنهم تنازلوا للفلسطينيين عن إطار سياسي خاص بهم.

ولا تبدو إسرائيل في صدد وقف القتال في غزة قبل تحقيق المرحلة الأولى من هدفها، أي التهجير السكاني من القطاع. وحتى اليوم، هي استطاعت تحويل أجزاء من غزة إلى ركام، فيما النازحون من شمالها إلى الجنوب قارَبوا المليون من أصل 2.2 مليون نسمة، هم عدد سكان غزة. وقد يستمر الضغط أشهراً أو سنوات. وتحت وطأة النار والدم والجوع والعطش والمرض، قد يضطر المصريون لفتح معبر رفح أمام حركة نزوح كبيرة على أبواب الشتاء، فيما كثير من المنازل مهدّم، فيصبح التهجير أمراً واقعاً. وثمة من يخشى أن تمارَس ضغوط مختلفة على القاهرة لإرغامها على الرضوخ لخطوة رفضتها حتى الآن.

وثمّة من يعتقد أن إسرائيل قد تجد الفرصة متاحة لتنفذ خطتها في الضفة الغربية أيضاً، فتعمد خلال هذه المرحلة إلى خلق مناخات توتر هناك، تسمح بتهجير مماثل للفلسطينيين إلى الأردن الذي يرفض بشدة أي محاولة من هذا النوع، لأنها تعني انتهاء استقلال هذا البلد ومعه القضية الفلسطينية.

وقد تندفع إسرائيل إلى مغامرة عسكرية على الحدود مع لبنان، تسدد فيها ضربات موجعة إلى ما بقي واقفاً من مؤسسات ومرافق، فيتلاشى البلد تماماً، ولا تكون له قيامة قبل سنوات طويلة. والهدف من ذلك هو إرباك «حزب الله» بالتحديات الداخلية التي ستَنجم من هذه الضربات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهذا هو مَكمن خوف الجميع في لبنان، بمن فيهم «حزب الله». ولذلك كان أمينه العام السيد حسن نصرالله واضحاً في إطلالتيه الأخيرتين: نحن لا نريد الحرب، وتكفينا مُشاغلة الجيش الإسرائيلي لتخفيف الضغط عن غزة.

المسألة اليوم هي أن إسرائيل نفسها، لا «حزب الله»، هي التي باتت تُظهر علامات الرغبة في التصعيد على حدود لبنان. وقد كشف موقع «أكسيوس» الأميركي ذلك بالمعلومات، مشيراً إلى تحذيرات وجهتها واشنطن إلى الإسرائيليين بعدم الإقدام على مغامرة غير محسوبة العواقب في لبنان.

وهذه المعلومات تبدو صحيحة، لأن الإدارة الأميركية التي سخّرت أكبر إمكاناتها العسكرية لخدمة إسرائيل، وجّهت إليها رسائل التحذير من مغبة اندلاع حرب إقليمية، أو حتى عالمية.
وحتى اليوم، تعتبر واشنطن أن أمن لبنان هو ضمان أميركي وغربي. وهناك خط أحمر يمنع إسرائيل من تنفيذ ضربات جوية في لبنان، منذ العام 2006 وصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن. وهذا ما أكده الوسيط عاموس هوكشتاين في زيارته المفاجئة أخيراً.

واليوم، ينشط اتجاه في الداخل الإسرائيلي يدعو إلى الاستفادة من الحشد الغربي والدعم السياسي والإعلامي غير المسبوق، ومن الإرباك العربي والإسلامي، لتنفيذ مخططات إسرائيل التاريخية في غزة والضفة وداخل حدود 1948 وسائر الشرق الأوسط. وحتى اليوم، ليس هناك إجماع إسرائيلي على هذه المغامرة، ولا هناك ضوء أخضر أميركي وأوروبي، ولكن، قد يقرر العقل اليميني المتطرف والعسكري في إسرائيل الانطلاق في المغامرة، معتقداً أن الأميركيين وحلفاءهم سيتفهّمون الأمر عندما يصبح أمراً واقعاً، بل إنهم سيضعون قواهم العسكرية والسياسية في خدمة إسرائيل، خصوصاً إذا حرّكت الحرب في الشرق الأوسط موجة عمليات إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة.
لذلك، إن السؤال في جنوب لبنان لم يعد: هل يرغب «حزب الله» في توسيع نطاق الحرب في لبنان أم ضبطها في حدود ضيقة؟ بل: هل تريد إسرائيل أن تنهي الحرب في غزة من دون تنفيذ مخططها هناك، أو بتأجيل ذلك، أم هي ستستغل الظرف للانطلاق في حفلة الجنون التاريخية على مسرح الشرق الأوسط؟

إذا صَحّ الاحتمال الأول، فالأرجح أن الأمور ستمر في لبنان بالحد الأدنى من الأضرار والخسائر. أما إذا صحّ الثاني، فالمنطقة ستكون على فوهة بركان، وعلى لبنان أن ينتظر تطورات دراماتيكية وموجعة، اختصرها نتنياهو بالقول إن مشهد غزة يمكن أن يتكرر في بيروت.