حادثتان وقعتا في الأيام الماضية، بعد حادثة استهداف المدنيين في سيارتهم في عيتانا، بسياق الحرب القائمة بين المقاومة في لبنان والعدو الاسرائيلي، كانا يمكن أن يؤديا الى حرب أوسع، لكنها لم تحصل لأن الطرفين ليسا بوارد حتى الآن توسيع الصراع وإشعال المنطقة، علماً أن الأميركيين يعلمون بعد الكثير من الرسائل التي وصلتهم، بالسياق الديبلوماسي والعسكري، أن الحرب الشاملة مع لبنان لن تنحصر في هذه البقعة الجغرافية.
الحدث الأول كان “العملية الاسرائيلية” التي تم خلالها استهداف شاحنة “بيك آب” السبت الماضي في العمق اللبناني على بعد 40 كيلومتراً من الحدود في منطقة الزهراني، فهذه الحادثة كانت يمكن ان تشكل الفرصة المناسبة لحزب الله لضرب عمق الكيان لو أراد ذلك، لكن هذا الأمر لم يحصل لأن الحزب يُريد تجنب توسيع الحرب، ويركز على ما يسميه بتفعيل الجبهة الضاغطة، والضغط هنا يُقصد به بالمفاوضات التي تجري في أكثر من مكان لإنهاء الحرب على غزة.
الحادثة الثانية كانت بالجهة المقابلة من الحدود، حيث نفذ حزب الله يوم الأحد سلسلة هجمات أوقعت ما يزيد عن 30 جندياً “اسرائيلياً” ما بين قتيل وجريح، فكان الهجوم هو الأقسى على “الجيش الاسرائيلي” منذ بدء حزب الله عملياته، وكانت هذه الواقعة الفرصة للعدو لتوسيع دائرة استهدافاته وضرباته في لبنان لو كان لديه النية لذلك، إنما لم يفعل رغم كل الضغط الذي مارسه “الاعلام الاسرائيلي” على “الحكومة الاسرائيلية” المصغرة.
هذه الحوادث وطريقة التعاطي معها تُقدم صورة واضحة حول مسار الحرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية حتى هذا اليوم، وبحسب مصادر متابعة فإن قرار التوجه نحو الحرب ليس قراراً سهلاً ولا بسيطاً، لأن الصراع لن ينحصر في مكان واحد، وما يقوم به الأميركيون من ضغط على المسؤولين في الكيان الصهيوني يؤكد غياب النية الاميركية لتوسيع الصراع، إذ تُشير المصادر الى أنه بعد الضربات القاسية التي وجهها حزب الله يوم الأحد، حصل تواصل سريع بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزير الدفاع “الاسرائيلي”، حيث أكد الأول للثاني خشية البيت الأبيض من قيام “اسرائيل” بهجمات استفزازية في لبنان قد تدفع حزب الله إلى تصعيد عملياته الحدودية، فالولايات المتحدة، وعلى لسان مسؤوليها، لا تُريد أن يجرها “الاسرائيلي” الى قلب الصراع في المنطقة.
هل هذا يعني أن الحرب لن تندلع بين لبنان والعدو؟ طبعاً لا، تقول المصادر، مشيرة الى أن الاحتمالات كلها مفتوحة، ولو أن احتمال عدم اندلاع الحرب يتقدم على غيره من الاحتمالات في الوقت الرهن، لكن حسابات الميدان تختلف عن الحسابات السياسية، ومن غير المعروف الى أي مدى يمكن للضغط السياسي وعدم الرغبة بتوسيع الحرب، أن يتحكم بالوضع القائم على الحدود، خاصة أن لدى المقاومة في لبنان قرارا واضحا باستمرار الضغط والتصعيد ما دامت الحرب على غزة قائمة.
طالب وزير الدفاع الأميركي غالانت، بضرورة تجنب الخطوات التي قد تؤدي إلى حرب شاملة مع حزب الله، لكن بحسب المصادر فإن الرغبة الأميركية بعدم توسيع الصراع يجب أن تنعكس على ما يجري في غزة، لأن الأمرين مرتبطان بشكل وثيق، مشيرة الى أن السيناريو المحتمل في الفترة القليلة المقبلة هو تصعيد عسكري إضافي لا يصل الى حد فتح الحرب، لكن المعركة قد تتوسع على مساحات اوسع مما هي عليه اليوم، طالما أن الهدنة في غزة لم تتحقق بعد، وهذا السيناريو يتقدم على السيناريوهين الآخرين، الأول بقاء الأمور على حالها، والثاني تخفيف حدة الضربات.
وبحسب المصادر، توحي وتيرة تصاعد الأعمال العسكرية على الجبهة الجنوبية بأن الأمور دخلت مرحلة حساسة جداً، في ظل عدم القدرة على ضبط ساحة أي معركة طالما أن الأعمال فيها قائمة، خصوصاً أن هامش الخطأ غير المقصود يبقى قائماً، خاصة في ظل وجود مجنون كنتانياهو على رأس الكيان.