لم تحقّق زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين نتائجها المرجوّة إسرائيلياً. حمل مسعى أميركياً يضمن عدم توسّع الحرب على الحدود الشمالية، لكنّ الجنوب اللبناني كان بالأمس ساحة حرب بكل معنى الكلمة. إعتداءات إسرائيلية استهدفت المدنيين والصحافيين استدعت رداً من «حزب الله» بإطلاق ما يقارب 30 صاروخاً من لبنان على المستوطنات الشمالية.
كل الأنظار شاخصة الى ما ستؤول إليه الجبهة الشمالية على حدود لبنان. تسابق بين دويّ أصوات الصواريخ والحديث عن هدنة وتبادل أسرى، وتطوّرات تنذر بأنّ لا حدود لتجاوزات إسرائيل وانتهاكاتها المتواصلة التي لم تستثنِ المدنيين ولا الجسم الإعلامي. منذ بدأت عملية «طوفان الأقصى» حرصت إسرائيل على عدم نقل أي مشهد للأضرار والخسائر التي تقع في صفوف جنودها والدمار الذي يلحقه ردّ المقاومة في الداخل الفلسطيني المحتلّ. إسرائيل المرعوبة من جبهة الشمال تقصّدت توسيع دائرة إجرامها لتستهدف عين الإعلام الذي يوثّق اعتداءاتها على أرض الواقع وحوّلت الجنوب اللبناني إلى ساحة حرب مفتوحة في محاولة لإبعاد «حزب الله» قدر الإمكان عن خطة المواجهة وإفراغ المنطقة من سكّانها بهدف اختراق شريط حدودي جديد على الجانب اللبناني بعدما أفرغت مناطق واسعة من جهة فلسطين المحتلة وأخلتها من المستوطنين وحوّلتها مناطق عسكرية بالكامل.
صارت جبهة إسرائيل الشمالية على الحدود مع لبنان ساحة رعب لها وعامل قلق للأميركي الذي سبق وأرسل هوكشتاين إلى لبنان لنقل رسالة مفادها أنّ بلاده تتمنّى عدم فتح جبهة جديدة، وقد طلب من لبنان الضغط على «حزب الله» لعدم الانخراط في جبهة غزة، واعداً بنقل رسالة مشابهة إلى الجانب الإسرائيلي. هوكشتاين الذي حطّ لساعات في إسرائيل، حيث التقى مسؤولين إسرائيليين، نقل خشية إسرائيل من توسّع رقعة الحرب في الجنوب وضربات «حزب الله»، ما يجعل بلاده مضطرة إلى دعم جبهة لا تريدها، وتكفيها جبهة غزة التي يستعجل الأميركي التوصّل إلى تهدئة للحرب الدائرة فيها بعدما تحوّلت قضية رأي عام ضد إسرائيل.
كل التقارير التي تنقل إلى المعنيين بمن فيهم «حزب الله» تتحدّث عن منسوب القلق والخوف الإسرائيليين من جبهة الجنوب اللبناني، ويبدو أنّ إسرائيل تسعى إلى توسيعها لتحقيق مكاسب قبل إتمام صفقة التبادل المصحوبة بوقف إطلاق النار في غزة، والتي سيسري مفعولها على ساحة الجنوب اللبناني.
تؤكد مصادر مطلعة أنّ لبنان كان حريصاً على وضع هوكشتاين في أجواء الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة، وكان آخرها استهداف مراسلَي قناة «الميادين» في أثناء أداء مهامهما، وأنّ الموفد الأميركي لم يتوانَ عن الحديث عن حالة رعب تنتاب إسرائيل جرّاء صواريخ «البركان» التي تنهال عليها وتلحق الضرر البالغ في صفوف جنودها.
من وجهة عسكرية، فإنّ جبهة الجنوب اللبناني محكومة بجبهة غزة، وأي تطوّر هناك سيكون له انعكاسه على ساحة الجنوب وبالعكس، وأي هدنة يتمّ التوصل اليها في غزة سيسري مفعولها حكماً على جبهة الشمال. من ناحية «حزب الله» فإنّ توسيع الجبهة وتعميقها واردان، والقرار فيهما متوقّف على العدوان الإسرائيلي، وهذه الجبهة صامدة وتدار بحكمة عالية وهي ساحة إشغال كبرى. ما حصل بالأمس وقبله يثبت أن لا وجود لقواعد الإشتباك، وأنّ القرار 1701 صار في خبر كان طالما أنّ المواجهات صارت تجري بالمباشر حيث يفترض أن أي توسيع إسرائيلي للإعتداءات سيقابله ردّ من «حزب الله».
لا يزال «حزب الله» محكوماً بثوابت أساسية يردّدها، وجديدها أنّ استهداف المدنيين في الجنوب سيقابله استهداف مدنيين في الجانب الإسرائيلي. رغم حماوة الحرب إلّا أنّ «الحزب» لا يزال مرتاحاً لسير المقاومة من غزة إلى لبنان وصولاً إلى اليمن وكامل أوراقه لم تكشف بعد في انتظار ما ستفضي إليه صفقة تبادل الأسرى ووقف النار، لكن الخشية من حفلة جنون إسرائيلي جديدة يمكن أن تسبق التوصّل إلى اتفاق في شأن صفقة التبادل وتطيح كل شيء.