لبنان أسير قرارات مفروضة عليه، لا فقط في فتح الجبهة الجنوبية بل أيضاً في إغلاق الباب على أي قرار رسمي في بيروت. وليس في البلد قوة قادرة على تغيير الامر الواقع، بصرف النظر عن الرغبة ورفض أكثرية اللبنانيين له. وما يحدث بقوة الأشياء،هو نوع من التسليم بالتقاصف بين «حزب الله» وإسرائيل عبر الحدود الدولية، والإكتفاء بالدعوات الى تجنب الإنخراط في حرب إقليمية واسعة. لكن لبنان في خطر مصيري، ليس فقط بالنسبة الى ما سيأتي بل أيضاً وقبل ذلك بالنسبة ما هو حاصل. فالمغيّب هو الجمهورية والمؤسسات، لا مجرد الرئاسة والشغور في مراكز حساسة.
والحاضر هو «المقاومة الإسلامية» التي تفرض ما لدى «محور المقاومة» وقيادته العليا في ايران من أولويات تتقدم على أولويات اللبنانيين المركّزة على الخروج من هاوية الأزمات المتعددة الحادة وإعادة تكوين السلطة وبناء دولة المستقبل. ذلك أن طهران ردت على رسائل الرئيس جو بايدن بالواسطة الى المرشد الأعلى علي خامنئي المحذرة من توسيع حرب غزة بإبلاغ واشنطن «عبر القنوات الدبلوماسية بأنها لا تريد توسيع الحرب» كما أعلن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في حديث مع صحيفة «الفايننشال تايمس» البريطانية. لكن خيار الجمهورية الإسلامية مركّب، لا بسيط. هي لا تريد الإنخراط المباشر في الحرب لأنها تدرك العواقب على النظام نفسه. وما يناسبها هو خوض قتال غير مباشر عبر الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، مع الإصرار على القول أن هذه الفصائل «مستقلة في قراراتها» وما في حساباتها هو في الحد الأدنى منع خسارة «حماس» في غزة، وفي الحد الأقصى تراكم الأرباح في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وبالتالي في طهران.
وخيار «حزب الله» حتى الآن هو المواجهة بأسلوب جيش. القتال على طريقة «كرة الطاولة»: ضربة وردها باستمرار. وهو أيضاً قليل من تطمين اللبنانيين الى ضبط اللعبة، وكثير من تخويف العدو الإسرائيلي في حرب شاملة. غير أن توسيع الحرب يبقى بين «الإحتمالات المطروحة»، سواء بتطور الفعل ورد الفعل او بالحسابات الإستراتيجية. ففي «محور المقاومة» من يؤمن بأن إسرائيل «أوهن من خطوط العنكبوت» وأن الفرصة سانحة حالياً لتحقيق وعد الإمام الخميني بتحرير فلسطين. وفي إسرائيل رأيان داخل الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية. واحد يرى أصحابه أن الفرصة مفتوحة الآن بقوة الإستنفار الشعبي لتوجيه ضربة كبيرة الى «حزب الله» وتحمل كلفتها في الداخل. وثان يفضل أصحابه الإنتظار الى ما بعد «القضاء على حماس» في غزة لشن حرب في الشمال. خلاف على التوقيت وإتفاق على الهدف. والعامل الضاغط على أصحاب الرأيين هو موضوع المستوطنين في الجليل الأعلى الذين جرى نقلهم من المستوطنات الى أماكن بعيدة، كما جرى لمستوطني غلاف غزة. وهم يخافون من العودة مع بقاء صواريخ «حزب الله» فوق رؤوسهم. لكن العامل الضاغط الأكبر لمنع الذهاب الى حرب واسعة هو القرار الإيراني والقرار الأميركي. حتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإنه جزم بالقول:»لبنان وايران لا يريدان الإنخراط في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي».
عام 1943 قال تشرشل للأميركيين: «ثمن العظمة مسؤولية». وما يقال لـ»حزب الله» اليوم هو إن ثمن الإمساك بالبلد مسؤولية.