الموفدون الدوليون لم يحملوا إلى بيروت ما يسرّ القلب.. وحركتهم كانت لتقطيع الوقت
لم يحمل أي موفد دولي ممن زاروا لبنان في الآونة الأخيرة ما يسرّ القلب، لا بل ان جعب هؤلاء حملت التحذير والتهويل من عواقب ما هو آتٍ، في حال بقيت جبهة الجنوب مشتعلة ولم ينعم سكان المستوطنات الإسرائيلية بالأمن والاستقرار بما يمكنهم من العودة الى منازلهم، وقد تصرفوا مع المسؤولين الذين التقوهم وكأن لبنان هو من يخرق القرار 1701 ولا يلتزم به، متجاهلين أن إسرائيل لم تلتزم في الأصل بهذا القرار منذ ولادته، وقد ذهب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين، الذي زار بيروت بعد تل أبيب الى حد طرح «حل وسط مؤقتاً» بحجة أن مثل هذا الطرح يجنّب تطور الاشتباكات الحدودية بين «حزب الله» وجيش العدو الإسرائيلي نحو الأسوأ، في إطار الجهود الأميركية لتخفيف حدة التوترات بين إسرائيل ولبنان، لكن في الحقيقة ان هوكشتاين هدف من وراء هذا الطرح الذي ترافق مع تهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن توسعت هذه الحرب، الى محاولة الوصول الى تفاهم يؤمّن عودة المستوطنين الى منازلهم، وكذلك سكان القرى الحدودية على الجانب اللبناني في محاولة لتخفيف الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو التي يقلقها هذا الأمر ويجعلها تتكبّد خسائر مالية ومعنوية على حد سواء.
بالتأكيد كان الموقف اللبناني موحّدا ومتناغما لجهة التأكيد على التزام لبنان بالقرار الأممي، والدعوة الى إيقاف الحرب مع غزة، لانه بذلك تهدأ كل الجبهات المشتعلة، كما ان المسؤولين اللبنانيين رفضوا فكرة الحل المؤقت، وهو ما حمل هوكشتاين الى مغادرة بيروت الى بلاده من دون أن يعرج ثانية الى إسرائيل، وهو في المعنى السياسي فشل في مهمته، وان بقيت الأبواب مفتوحة على أي نقاش مقبول يحقق الاستقرار المنشود.
وقد ظهر من خلال الأفكار التي حملها الموفدون الاجانب المتعددي الجنسيات الى لبنان بأن حركتهم بقيت من دون بركة، وأقل ما يقال فيها بأنها كانت لتقطيع الوقت، كونهم لم يحملوا أي مبادرة جديّة، واللافت ان جميعهم أبلغوا المسؤولين في لبنان بأن القرار الإسرائيلي بالحرب على لبنان قد اتخذ، وان العمل العسكري سيكون أقل من حرب، وأكبر من معركة.
ووفق متابعين لمسار تطورات الوضع في الجنوب، فان إسرائيل غير مؤهلة لتوسيع إطار الحرب مع لبنان، وان هي فعلت ستكون نتائجها كارثية، وهي أي هذه الحرب ستكون بمثابة يوم القيامة، نظراً لحجم الصواريخ والقذائف التي ستنهال عليها وستطال أماكن في العمق الإسرائيلي لم تكن تخطر في بال لا الحكومة ولا الجيش الإسرائيلي، وان الحرب لن تنحصر بين لبنان وإسرائيل بل ستشترك فيها وبقوة كل قوى الممانعة في المنطقة، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة التي ستكون كل مصالحها وقواعدها العسكرية في دائرة الخطر، ولذلك ترفض أي فكرة إسرائيلية بتوسيع الحرب في اتجاه لبنان، وهذا الرفض الأميركي هو حصيلة تقارير استخباراتية وصلت الى إدارة بايدن تفيد بان تل أبيب ستكون هي الخاسرة ولن تستطيع خوض الحرب لتحقيق الغاية المنشودة منها بالنسبة إليها، وهذا الوضع نقله وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن في آخر زيارة قام بها الى تل أبيب، حيث كان القرار الأميركي حاسما برفض توسعة الحرب وهو ما أغضب نتنياهو، وقد انتهى الاجتماع بين الرجلين على زغل.
لكن هؤلاء المتابعون يعربون عن خشيتهم من أن نكون أمام حرب أمنية تقوم بها إسرائيل ما بين حراك الدبلوماسية والحرب العسكرية، وهي لجأت الى مثل هذا العمل في الآونة الأخيرة، مشيرين الى ان «حزب الله» يتصدّى بفعالية لهذه الحرب، وهو يقوم بخطوات رادعة ومحسوبة، لتفويت الفرصة على العدو من تحقيق اهدافه، وهو يملك الكثير من المفاجآت الكبيرة التي ستلحق الأذى بالإسرائيليين في اكثر من مكان، لافتين الى أن ما جرى الأسبوع الماضي في مطار بيروت يدخل في إطار الحرب الأمنية – الإلكترونية الإسرائيلية بغية عزله، وكان أن رد المقاومة بالمثل في مطار بن غوريون الذي خرج عن الخدمة لبضعة ساعات بفعل عمل سيبراني.
وعن مصير القرار 1701 يعرب هؤلاء عن خشيتهم من أن يصبح هذا القرار من الماضي، وأن نكون مع قابل الأيام أمام قرار جديد برقم جديد يأتي نتيجة تسوية كبرى بعد أن تضع حرب غزة ومتفرعاتها أوزارها.